«إسرائيل» وفلسطينيو 48: خوف مقيم

«إسرائيل» كيان فاشي بيده اليمنى يقتل ويدمر ويهوّد ويخرب، وبيده اليسرى «يبني» ليس فقط لنصرة «أتباعه» وبتمييز فاشي أيضا، وإنما «يبني» ليزيد قوته على القتل والتدمير والتهويد والتخريب.

يده الأولى، ومنذ العام 1948، موغلة في الدماء، بدءا من مجزرة دير ياسين مرورا بمجزرة كفر قاسم التي مرت ذكراها السنوية الخامسة والستين قبل أيام، وصولا إلى عمليات القتل شبه اليومية بذرائع وحجج واهية، فضلا عن مخططات التطهير العرقي وإجراء عمليات ترانسفير، وتفعيل مخططات إبقاء شطر فلسطينيي 48 في أدنى الدرجات وتحويله إلى مجتمع للجريمة.

هذه اليد، ومن ضمن ما تستهدفه تدميرا وتهويدا وتخريبا، مدينة القدس بهدف الإخلال بالتوازن الديمغرافي لصالح المستعمرين/ «المستوطنين». أما الأحياء التي تستهدف بشكل أكبر، فتقع في نطاق ما يسمى بمشروع «الحوض المقدس»، الذي يبدأ من الشيخ جراح شمال البلدة القديمة إلى سلوان جنوبي المسجد الأقصى بما فيها البلدة القديمة، بهدف تصفية الوجود وتغيير المشهد السكاني والجغرافي والتاريخي.

وهذه الأحياء تواجه اليوم مقارفات الطرد والتهجير والاستيلاء على الأراضي، لإنشاء المشاريع الاستيطانية. وكل ذلك يأتي في سياق نظام الفصل العنصري (أبارتايد) الوحيد من نوعه في العالم، الذي خلقته «إسرائيل».

فهي، تحت سقف هذا النظام، سلبت آلاف الأراضي من الفلسطينيين، واستعملتها لبناء عشرات «المستوطنات» في الضفة الغربية لتوطين مئات الآلاف من المستعمرين اليهود الصهاينة، ما يمنع كل إمكانية حقيقية لقيام دولة فلسطينية مستقلة بالحد الأدنى.

بالمقابل، المحكمة الإسرائيلية العليا التي توفر غطاء للاحتلال والمقارفات في الضفة الغربية وقطاع غزة وأراضي 48، غايتها محددة، كما وصفها باحثون إسرائيليون ليبراليون: «دور مفقود لهذه المحكمة في كل ما يتعلق بموضوع احترام حقوق الإنسان، حتى داخل «الخط الأخضر»، حيث تعتبر هذه الحقوق بمثابة عائق أمام الدولة، وأمام القدرة على أدائها، وكما لو أنها تقوّض «حقوق الدولة»، ما أفضى إلى عدم رسوخ حقوق الإنسان كجزء من مفهوم إسرائيل للديمقراطية، وإلى بقائها هشّة وغير مضمونة إلى حدٍّ كبيرٍ».

الدولة الصهيونية، ورغم تبجحها بأن الحكم العسكري انتهى رسميا عام 1966، إلا أنها، وبحسب الكاتب والمناضل الفلسطيني (أمير مخول): «رُويداً رُويدا، تعيد الدولة استحداث عدد من أدوات الحكم العسكري، الذي انتهى رسميا عام 1966.

لم يكن الإلغاء في حينه دفعة واحدة، ففي كل مرّة أبطلت منظومة منه، كان ذلك فقط بعد بلورة الدولة منظومة بديلة تحقق غاياتها بأدوات تبدو مدنية، كما أبقت على أنظمة الطوارئ الأمنيّة والمدنيّة، بل طوّرت قدراتها من خلال الإبقاء على حالة الطوارئ ومنظومتها».

ويضيف: «تقوم عقيدة كلٍّ من الجيش و”الشاباك» على التعاطي مع العدو والإيقاع به ورصده وتوقع مناحيه ومستقبله، والانتصار عليه. ليست أجهزة نظام عام، وإنّما أجهزة أمن قومي مقابل العدو. فالدولة ترفض الإعلان رسميا عن فلسطينيي الداخل كعدو، لأنها في ذلك تتنازل عن سيادتها من منطلقها. في حين تتعامل جوهريا كذلك ضمن مجمل سياساتها تجاه الشعب الفلسطيني».

في هذا السياق، انتهت أمس مناورات تحاكي سيناريوهات لحرب شاملة على عدة جبهات مع اندلاع اضطرابات في «المناطق العربية» في فلسطين المحتلة عام 1948، بمشاركة آلاف الجنود من جيش الاحتلال وقوات الأمن. ولأول مرة، يشمل التدريب على الجبهة الداخلية، تفريق ما سمي بـ”احتجاجات واضطرابات» قد تندلع في بلدات عربية والمدن الساحلية المختلطة خلال حرب شاملة على عدة جبهات، وذلك على غرار الاحتجاجات التي شهدتها البلدات العربية خلال العدوان الأخير على قطاع غزة واعتداءات المستعمرين/ «المستوطنين» على الفلسطينيين خلال هبة الكرامة في أي?ر الماضي.

إنه الخوف الإسرائيلي، الباطن منه والظاهر، القديم/ الجديد، الذي ما برح يقض مضاجع الاحتلال منذ كارثة 1948.