قلق إسرائيلي من تواصل المقاومة بالضفة
رغم القوة الغاشمة التي تمتلكها دولة الكيان الصهيوني، إلا أن عقدة الفناء تلاحقها كل يوم ومعركة وحرب. وانتقال المقاومة المسلحة والشعبية إلى الضفة الغربية، أمر لطالما كانت تخشاه «إسرائيل». فهو نذير خطر غير مسبوق بالنسبة إليه، لقدرته على إيلام الجانب الإسرائيلي، بحيث تتزايد نقاط المواجهة بعد أن كانت محصورة على حدود قطاع غزة وغلافها، وفي مدينة القدس وخاصة بالقرب من المسجد الأقصى.
لقد تعودت دولة الكيان الصهيوني على المبادرة إلى التصعيد العسكري ولا سيما ضد «القطاع» كرد سريع وفوري على تنامي أي من أشكال النضال قد يسبب إرباكا وتخبطا داخل الهياكل والمؤسسات الصهيونية. لكن، في غضون ثلاثة أسابيع شهدنا ساعات طوال من المواجهات الشعبية الصدامية، زائدا المسلحة، بين شبان في القدس وجنين أساسا مع قوات جيش الاحتلال، بل إنها توسعت إلى أحياء أخرى سبقها مواجهات على حدود التماس في نقاط عديدة بقرى ومدن الضفة، وها هي المقاومة وقد باتت أمرا واقعا يتوقع أن تشهد تصعيدا وتوسعا.
للمقاومة أثمان، وهذه الدماء الفلسطينية جزء من تلك الأثمان. وبحسب التقارير العسكرية التي نشرتها الصحافة العبرية خلال الأيام الماضية فإن «معظم شهداء القدس وبيتا والضفة تم قنصهم بواسطة بندقية روجر ورصاص «التوتو» المحرم دوليا، وهي بندقية تكمن خطورتها في أنها تطلق من قبل قناص، أي للقتل». والاحتلال يعي اليوم تماما أنه بات يتعامل مع حالة ثورية صعبة. فالضفة هي الخاصرة الضعيفة لديه، وكل عمل مقاوم بها يؤثر على الأمن لديه وعلى أوساطه العسكرية والسياسية، دون أن ننسى أن الضفة هي المنطقة الأكثر تركيزا أمنيا ومتابعة استخ?اراتيا وملاحقة لأن الاحتلال لطالما تخوف من إمكانية اختراق وخلخلة منظومته الأمنية المعقدة فيها. وقد تحدث الجيش الصهيوني، حسب تقرير للقناة 12 التلفزيونية الإسرائيلية عن «ارتفاع ملموس في أحداث إطلاق النار باتجاه القوات الإسرائيلية التي تنفذ اعتقالات»، وأن الجيش «رفع حالة التأهب في صفوف قواته في أعقاب الأحداث الأخيرة في القدس وجنين بعد التقديرات التي تعالت مع احتمال تطورها إلى مواجهات واسعة في الضفة وإطلاق قذائف صاروخية من قطاع غزة».
بالمقابل، تنشر الصحافة العبرية أرقاما مرعبة حول الحرب الصامتة التي تشنها «إسرائيل» على فلسطين 1967 من دون الإعلان عن هذه الحرب أمام كاميرات الصحافة العالمية.. حرب شاملة يشارك فيها الجيش والشرطة وقضاة المحاكم العسكرية وحرس الحدود وأعضاء الكنيست ووزراء وإعلاميون صهاينة، علاوة على الحرب الخاصة التي يشنها المستعمرون/ «المستوطنون» ومجرمو فتية التلال ضد المواطنين الفلسطينيين.
إن ارتقاء أعداد الشهداء المتصاعد في الضفة، يأتي في ظل تراكم حالة المقاومة وتصاعدها بالشكل والحجم يوما بعد يوم، ويدلل على أن الضفة تعيش يوما فلسطينيا بامتياز، وكل أحاديث الاحتلال بين الحين والآخر عن حلول اقتصادية لن تغير من واقع الحال، ولن تؤثر في معنويات الشعب الفلسطيني. وهذه هي الحالة الطبيعية التي يجب أن يكون الشعب الفلسطيني عليها مع الاحتلال، دون أن ننسى محاولاته لترميم صورة الردع الإسرائيلية التي تآكلت بعد هروب أسرى الحرية من سجن «جلبوع» والحالة المعنوية التي سادت بين الإسرائيليين بالفشل والاختراق الأم?ي. أي أن دولة الاحتلال ذات الطبيعة الاستعمارية الإحلالية والعنصرية، تحاول أيضا الهروب من أزماتها الداخلية بارتكاب مجازر بحق الفلسطينيين، للبحث عن حلول في جبهتها الداخلية وخاصة في ظل حكومة إسرائيلية هشة.