المسجد الأقصى: من محاولات الحرق إلى السرقة

مرت الذكرى الثانية والخمسون لمحاولة إحراق المسجد الأقصى في 21 آب/ أغسطس 1969، فيما تشهد ساحات المسجد مواجهات متواصلة بين المصلين وقوات الأمن الإسرائيلية التي عادة ما ترافق قطعانا من اليهود المتطرفين الذين ينسلون إليه من كل حدب وصوب معيثين فيه فسادا وتخريبا.

هذه الاقتحامات والانتهاكات باتت شبه يومية وترتفع وتيرتها بأعداد كبيرة مقلقة خاصة مع مواسم الأعياد اليهودية بقوة تحركات أحزاب ومنظمات توراتية استعمارية/ «استيطانية» متنامية، وبقرار سياسي ودعم مباشر من الجيش والحكومة الإسرائيلية الحالية لخدمة أجندات اليمين التوراتي الفاشي. هذا، في حين تواصل شرطة الاحتلال فرض قيودها على دخول الفلسطينيين من أهل القدس وفلسطين 48، وتحتجز هوياتهم الشخصية عند بواباته الخارجية، بالإضافة إلى إبعاد العشرات منهم عنه لفترات متفاوتة، فضلا عن استهداف المقدسيين من خلال الاعتقالات والإبعاد والغرامات كي يصبح المسجد الأقصى لقمة سائغة أمام الأطماع الاستيطانية.

تمر الذكرى وما زال الأقصى يتعرض لذات العدوان الذي بدأ بحرقه على يد المتطرف الصهيوني (مايكل دينس روهان) بتسهيل وحماية من سلطات الاحتلال.

ومع مرور السنوات، بتنا نشهد عمليات تهويد على طريق محاولة تثبيت تقسيمه مكانيا وزمانيا. فسلطات الاحتلال تتمادى في سياستها لتغيير الوضع القانوني والديني للحرم القدسي الشريف، وتسابق الزمن في تنفيذ مشروعها التهويدي لمدينة القدس المحتلة، باستكمال التطهير العرقي والتهجير القسري للفلسطينيين أصحاب الأرض والمكان والتاريخ والهوية، خاصة في أحياء وضواحي المدينة المحتلة في الشيخ جراح وحي البستان وبطن الهوى ووادي الجوز ووادي حلوة، وبيت حنينا، ولفتا، وغيرها.

واليوم تكثف سلطات الاحتلال من محاولاتها سرقة الأقصى عبر عديد المشاريع التهويدية، لن يكون آخرها المشروع الذي يطال جسر باب المغاربة ببناء جسر دائم بدلا من القائم بين ساحة البراق والمسجد الأقصى، بهدف إحداث المزيد من التغيير في الطابع العربي الإسلامي وتشويه المعالم التاريخية والحضارية، وفتح المجال واسعا لاقتحام آليات شرطة الاحتلال للمسجد لقمع واعتقال المصلين والمرابطين فيه.

لعل هذا المخطط التهويدي هو الحلقة الأحدث والأخطر في الجهد الإسرائيلي لفرض سياسات احتلالية تفضي لتعزيز مخطط التقسيم المكاني للمسجد الأقصى، فضلا عن أن جسر باب المغاربة معلم أثري يحوي تحته آثارا أيوبية مملوكية عمل الاحتلال على تدميرها من خلال حفريات قبل سنوات. كما يعي الاحتلال أن منطقة باب المغاربة ساخنة ويتأثر فيها الشارع المقدسي وتؤدي لمواجهات دائمة، ولذلك فإنه يتعامل معها بحذر من خلال جس نبض الشارع المقدسي. فالاحتلال يروج لفكرة تغيير واقع الجسر من خلال ادعائه بأنه إنما يرمم ويضع ألواحا خشبية صالحة بدل التالفة. غير أن الأطماع أكبر من ذلك إذ هي تستهدف إزالة كل التلة الموجودة أسفل الجسر من أجل توسعة ساحة البراق، ومن ثم توسعة المكان المخصص لصلاة اليهوديات.

وبحسب رئيس الهيئة المقدسية لمناهضة التهويد: «سلطات الاحتلال في حال استطاعت أن تزيل كل التلة في باب المغاربة، فهي فعلا حققت مرادها بتوسيع الساحة المخصصة لصلاة المستوطنين وهذا هو الهدف الكبير الآني لها».

هذه الاعتداءات والاقتحامات وخطط التهويد الممنهجة تشكل تجاوزا لكافة الخطوط الحمراء، مثلما هي استفزاز علني لمشاعر ملايين المسلمين والمسيحيين في فلسطين والعالم، وتشكل تحدياً للقوانين الدولية، فضلاً عن كونها تكرس في الوقت ذاته نموذجاً صارخاً لطبيعة «إسرائيل» القائمة على الاحتلال والتمييز العنصري وتهويد مقدسات الغير! فهل نشهد تحركا للدول العربية والإسلامية وغيرها لإسناد الدور الأردني/ الفلسطيني (الرسمي والشعبي) بما يمنع مجمل عملية التهويد في فلسطين، وبالخصوص في القدس، وفي المسجد الأقصى بشكل أخص؟