المسيرات اليهودية من القدس إلى الضفة: كيف ولماذا؟
الثقافة الإسرائيلية منذ نشأة المشروع الصهيوني على أرض فلسطين، وما صاحبه من مقارفات ومجازر من قبل التنظيمات الإرهابية «الهاجاناه والشتيرن والبالماخ» وغيرها، استطاعت تضليل العالم وإخفاء الوجه الحقيقي للفكر اليهودي الصهيوني المتطرف جدا.
ضمن هذا التوجه تأتي وظيفة المسيرات السنوية التي ترفع الأعلام الإسرائيلية في القدس المحتلة حيث يحول الاحتلال محيط البلدة القديمة إلى ثكنة عسكرية في ظل تفاقم اعتداءات الجمعيات اليهودية المتطرفة على المقدسات والرموز الدينية أمام أعين شرطة الاحتلال دون أي رادع. هذه المسيرات تسمى (“مسيرة الأعلام» أو «يوم القدس”). هي «احتفالات» بدأتها الدولة الصهيونية مع احتلال القدس الشرقية 1967، حيث يشارك مئات من المتطرفين اليهود الذين ينتمون لجماعات يمينية وقومية متشددة في مسيرة ترفع الأعلام في القدس الشرقية المحتلة عادة ما يرافقها اعتداءات واعتقالات للمقدسيين الفلسطينيين من قبل شرطة الاحتلال، التي تسعى لإخلاء أجزاء من المسجد الأقصى من أي فلسطيني بعد إبعادهم عن ساحة باب العمود لإفساح المجال لإتمام المسيرة إلى أن تصل إلى «حائط البراق» الملاصق للمسجد الأقصى.
هذه المسيرات عنصرية! ولأن الاحتلال يزرع الحقد والتطرف في نفوس أطفاله في المدارس، نلحظ أن أغلب المشاركين في المسيرة من الفتية وأبناء المدارس، الى جانب عدد كبير من العسكريين، يهتفون ضد العرب والمسلمين والرسول الكريم دون أي ردع لهم من شرطة الاحتلال. بل وتتجاوز هذه الإساءات الهتافات الى حد خط العبارات المسيئة على الطرقات العامة، بهدف المس بمشاعر المسلمين وإثارة غضبهم.
وظيفة هذه المسيرات سياسية بحتة ومحاولة من الاحتلال ترسيخ سيطرته الكاملة على المدينة المقدسة، واستعادة هيبته التي بات يفقدها خلال السنوات الأخيرة بقوة حراك المقدسيين. وهي أيضا إصرار من المحتل على ترسيخ مقولة أن «القدس موحدة»، وأنها تحت السيطرة الإسرائيلية الكاملة، محاولة حسم الموضوع الديمغرافي في المدينة، وجعل المقدسيين أقلية. والاحتلال هنا، يلجأ للمستعمرين كمليشيات يستخدمهم في تنفيذ مخططاته التهويدية بطريقة غير رسمية، باعتبارهم أداة لفرض السيادة والوجود الصهيوني في القدس، حتى أضحت هذه المسيرات مسألة وجود للمتطرفين الذين باتوا يرون أنها معيار سيطرتهم على القدس، وعنوانا لتكريس الهيمنة.
مؤخرا، نلحظ ازديادا وجرأة أكبر من قبل «المستوطنين» لارتكاب المزيد من الجرائم، وكأنهم أخذوا غطاء تحفيزيا من شكل وتركيبة الحكومة الإسرائيلية الجديدة، الأمر الذي جعل «المستوطنين» ينظمون ما يسمى «بمسيرات الأعلام» ليس في مدينة القدس المحتلة فحسب، بل تعدتها إلى أنحاء مختارة في الضفة الغربية، بدعم من «مجالس المستوطنين»، لمطالبة حكومة الاحتلال الجديدة بالسيطرة على مناطق «ج»، التي تشكل أكثر من 60% من مساحة الضفة. وقبل أيام، جاء في تقرير أصدرته جمعية «كسر الصمت» الإسرائيلية، التي تضمّ قدامى المحاربين، أن جيش الاحتلال الإسرائيلي يشارك بشكل متصاعد في توفير «عباءة حماية» للمستوطنين الذين «يصبحون أكثر عدوانية». وبحسب مدير التوعية في الجمعية (أوري جعفاتي): «ليس هناك أي تحرّك أو نية من قبل الحكومة أو الجيش، لردع المستوطنين»، واصفاً الأمر بجزء من «خطة استراتيجية محكمة وضعها المستوطنون للاستيلاء على المزيد والمزيد من الأرض الفلسطينية». فماذا نحن فاعلون؟.