خط الغاز نورد ستريم 2: توتر بطعم خاص

خط الغاز “نورد ستريم 2″، المشروع العملاق الذي وافقت عليه الدول الأوروبية المجاورة لألمانيا ويتوافق مع القانون الأوروبي، هو خط أنابيب يمتد من روسيا إلى ألمانيا عبر قاع بحر البلطيق ويكتمل هذا العام رغم معارضة واشنطن الصريحة. ومن المقرر أن يضاعف خط الأنابيب الذي تبلغ تكلفته 10 مليارات يورو (11 مليار دولار) شحنات الغاز الطبيعي الروسي إلى ألمانيا، أكبر اقتصاد في أوروبا.

من المثير في خلفيات هذا المشروع، أنه في 2005، أبرم المستشار الألماني آنذاك (غيرهارد شرودر) والرئيس الروسي (فلاديمير بوتين) هذه الصفقة. وبعد وقت قصير من تولي (أنجيلا ميركل) السلطة، قامت شركة الطاقة الروسية العملاقة غازبروم (شركة تابعة للكرملين) بتعيين (شرودر) رئيسًا للجنة المساهمين للشركة المستثمرة لأنبوب الغاز “نورد ستريم”. وفي 2016، أصبح (شرودر) رئيس مجلس إدارة شركة خط أنابيب الغاز الروسي “نورد ستريم 2″، وشركة “غازبروم” المُساهم الوحيد.

حتى اليوم، ما زالت الأصوات ترتفع مطالبة ألمانيا بوقف المشروع، مع تصاعد نسبة التوتر مع روسيا بشأن عديد الملفات الخلافية. لكن من المرجح أن برلين غير راغبة بذلك، بعد نجاحها في فصل القضايا التي تحمل تباينات مع روسيا عن المشروع الاقتصادي المهم الذي شارف على الانتهاء حيث بذلت (ميركل) كل جهدها لإخراج “نورد ستريم 2” وفك الارتباط بينه وبين القضايا السياسية العالقة أوروبيا مع روسيا. وتنبع حماسة الزعيمة الألمانية من أن المشروع يوفر على المواطنين الألمان الكثير من الأموال، وأن الاستغناء عنه يعني الحصول على الغاز من المصادر التقليدية الأُخرى بتكلفة أعلى. وبحسب الباحثة المتخصصة (فرانسيسكا أوغستين) في حديث لمجلة “شبيغل أونلاين”: “خط الأنابيب الذي يمر عبر أوكرانيا إلى أوروبا ثبتت عليه العديد من محطات الضغط التي تعود إلى فترة الاتحاد السوفياتي السابق وباتت قديمة، ولم تجر صيانتها بشكل صحيح منذ ذلك الحين، وبات ضغطها أقل، كما لم يعد بعضها مغلقا تماما ما يسبب تسرباً لغاز الميثان”.

تظهر في هذا المشروع المصالح المتباينة بين الدول الأوروبية. فمثلا، بولندا التي لا تثق بسياسيي روسيا وألمانيا، أعلنت أنها تفضل شراء الغاز من النرويج عبر خط أنابيب جديد قيد الإنشاء، أو غاز التكسير الأمريكي (تستخرجه الولايات المتحدة من الأرض عن طريق التنقيب عن النفط والغاز ويدمر مساحات هائلة من الأراضي) الذي يتم تسليمه عن طريق السفن. بدورها، فرنسا، والتي تعتمد على عديد محطات الطاقة النووية لإنتاج الكهرباء والطاقة، يمكنها الاستغناء عن الغاز الطبيعي من روسيا، مع أن شركة “أنجي” الفرنسية تمتلك حصة في “نورد ستريم 2″، ورغم ذلك تواصل مطالبة ألمانيا بوقف المشروع. أما أوكرانيا، فتعارض المشروع لأنه سيفقدها رسم العبور، لخط الأنابيب الذي يمر عبرها إلى أوروبا إذ في أراضيها توجد مرافق تخزين الغاز العملاقة. كذلك، هولندا، التي تحصل ألمانيا منها أيضا على الغاز فإن الإنتاج في بحر الشمال سيقل وبالتالي ستتضرر اقتصاديا.

أما الموقف الأمريكي الذي جاء على لسان الرئيس (بايدن) صراحة بقوله أنه “يعارض المشروع” فقد بات اليوم متباينا! فمع تحديد موعد القمة بين الرئيسين الأمريكي (بايدن) والروسي، ألغت إدارة (بايدن) العقوبات الأمريكية المفروضة على الشركة التي تبني المشروع، فيما تعالت أصوات جمهوريين داخل الكونغرس معتبرة التراجع “جائزة جيوسياسية كبرى للكرملين”. وبحسب (مايكل ماكول) العضو الجمهوري البارز في مجلس النواب للشؤون الخارجية: “إنه مشروع نفوذ روسي خبيث يهدد بتعميق اعتماد أوروبا على موسكو في مجال الطاقة، ويجعل أوكرانيا أكثر عرضة للعدوان الروسي، وهو يوفر مليارات الدولارات لخزينة بوتين”.

إذن، رغم وجود الاتحاد الأوروبي، الذي تحكمه قواعد وقوانين شفافة إلا أن المشكلة الجوهرية تظل متمثلة في تفضيل الدول الأوروبية التصرف بقرارات أحادية فيما يتصل بمسألة الطاقة، وليس التضامن في مواجهة الشركاء الخارجيين.