«حصانة» إسرائيل.. هل تتلاشى؟
منذ تأسيسها في العام 1948، حصلت «إسرائيل» – عمليا–على حصانة استثنائية من العقاب رغم كونها نظاما عنصريا يقتل وينتهك كافة قواعد القانون الدولي. وسبب هذه الحصانة مرده إلى تقاعس المجتمع الدولي عن مساءلتها كدولة احتلال على جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية التي تقترفها ضد الفلسطينيين، في ظل «إيمان» غريب عجيب بحجج واهية، انتهت إلى المساواة بين المستَعمر والمستعمِر، الأمر الذي أدى إلى تشويه الحقيقة المؤكدة عن أن «إسرائيل» قوة احتلال/ إحلالي/ استعماري/ «استيطاني»، وأن من يملك حق الدفاع عن النفس وواجب مواجهة الاحتلال هو الشعب الفلسطيني.
عندما نتحدث عن «إسرائيل» كاستثناء، فنحن في الأساس ننظر إلى واحدة من أبشع الظواهر العالمية المنتجة لمعاداة السامية، حيث يجوز لها ما لا يجوز لغيرها. وهي «الدولة» الوحيدة التي تفلت من العقاب بل لا تساءل، محمية دوما، ولها حصانة من نوع فريد رغم كل جرائمها. وحتى لو نحن تجاهلنا الولايات المتحدة المصدر الأول لقوة «إسرائيل» والداعم المتواصل لها في كل الظروف، فإن «الاتحاد الأوروبي» الذي يعتبر أحد داعمي القضية الفلسطينية والمتبرع الأول للمشاريع على الأرض الفلسطينية لم يجرؤ على عقاب «إسرائيل» رغم أنه، تحت بند «عقوبات» الاتحاد الأوروبي، تجد عشرات البلدان حول العالم تتعرض للعقوبات من قبل «الاتحاد» وهي عقوبات متنوعة منها العسكرية والمالية والاقتصادية… الخ. لكن الطرف المفقود الذي لا يخضع لعقوبات على الإطلاق هو «إسرائيل».
هذا الوضع ساد منذ العام 1948 مع تحولات إيجابية متنامية وبطيئة غير أنه في السنوات الأخيرة تسارع، وزاد حتى تعالت الأصوات خلال المعركة الأخيرة في قطاع غزة حيث بدأت «إسرائيل» تتعرض لهجوم كبير ومطالب تدعو إلى معاقبتها بسبب جرائم الحرب التي يقترفها جيشها ضد الفلسطينيين، جرائم سبق وأن تباهت بها أمام العالم!! وقد أثارت تصريحات ومواقف أوروبية ودولية انزعاج «إسرائيل»، غير المعتادة على مهاجمتها. وقد كان أول تحرك من إيرلندا وتجسد بمقترح برلماني يصف المستعمرات/ «المستوطنات» في الأراضي الفلسطينية بالاحتلال، حيث أفاد وزير الخارجية الأيرلندي (سايمون كوفنيي) للمشرعين قبل تصويت البرلمان إلى أن: «حجم وسرعة وطبيعة الإجراءات الإسرائيلية بشأن التوسع الاستيطاني والنية من وراء ذلك أوصلنا إلى نقطة نحتاج فيها إلى أن نكون صادقين بشأن ما يحدث بالفعل على الأرض… إنه ضم فعلي». وأردف: «هذا ليس شيئا أقوله أنا، أو… هذا المجلس، باستخفاف. نحن أول دولة في الاتحاد الأوروبي تفعل ذلك. لكنه يعكس القلق الكبير الذي يساورنا بشأن نية الأفعال وبالطبع تأثيرها». وكانت «إسرائيل» قد استدعت السفير الفرنسي في تل أبيب لتوبيخه على خلفية التصريحات الأخيرة لوزير الخارجية الفرنسي (جان إيف لودريان) التي صرح فيها بأن «إسرائيل ستصبح دولة عنصرية «أبارتهايد» إذا واصلت احتلالها الأراضي الفلسطينية».
بدوره، تبنى مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة قرارا يدعو إلى إنشاء لجنة تحقيق دولية مستقلة للتحقيق سواء في الضفة الغربية (بما فيها القدس الشرقية) وداخل «إسرائيل» ذاتها، بخصوص جميع الانتهاكات والتجاوزات للقانون الدولي الإنساني التي قادت إلى (أحداث) 13 نيسان/ إبريل 2021 و(الأحداث التي وقعت) منذ ذلك التاريخ، وجميع الأسباب الجذرية الكامنة وراء التوترات المتكررة وعدم الاستقرار وإطالة أمد الصراع، بما في ذلك التمييز المنهجي والقمع على أساس الهوية القومية أو العرقية أو الدينية. وحين جرى تم التصويت بناء على طلب ألمانيا، أيدت القرار (24) دولة من أصل (47) دولة عضو في مجلس حقوق الإنسان، بما في ذلك روسيا.
كذلك، جاء طرح نواب ديمقراطيون في مجلس النواب الأميركي، مشروع قانون يسعى لحجب مبيعات أسلحة دقيقة التوجيه قيمتها 735 مليون دولار «لإسرائيل» وذلك في رد فعل رمزي على المعركة الأخيرة ضد قطاع غزة. كما طالب «المشروع» بجهد أمريكي أكثر تنسيقا لوقف «العنف» ومنه «الضربات الإسرائيلية الجوية التي قتلت عشرات المدنيين في قطاع غزة». كما امتد التضامن مع القدس وغزة إلى كبرى العواصم العالمية، حيث شهدت واشنطن وكانبرا وأوتاوا وعواصم الاتحاد الأوروبي تظاهرات حاشدة دعماً للشعب الفلسطيني، مطالبة كلها بعقاب «إسرائيل» على جرائمها بحق الفلسطينيين.