آفاق قمة (بايدن – بوتين)

مع إعلان واشنطن وموسكو عن عقد القمة بين الرئيسين الأمريكي (جو بايدن) والروسي (فلاديمير بوتين) في 16 حزيران/ يونيو الجاري في مدينة جنيف السويسرية في أول لقاء يجمع بينهما وجهاً لوجه منذ تولي (بايدن) مهام منصبه، يأمل العالم بعلاقات أكثر استقرارا بين الولايات المتحدة وروسيا.

زعيما أعظم قوتين في عالم اليوم، يجتمعان لمناقشة قضايا الساعة الملحة، ضمن جهود استعادة التوازن في العلاقات الأمريكية الروسية، وذلك في ظل علاقات مضطربة تشهد توترا بسبب قضايا خلافية عديدة. وكل هذا يتم على وقع تصعيد عسكري على الأرض على حدود روسيا الغربية والجنوبية، متمثلاً في مناورات “حامي أوروبا 2021” الأكبر لحلف الناتو منذ 30 عاماً، وحشد روسي ضخم للقوات على الحدود الجنوبية. في السياق، عديد المحللين يتفقون على أن العلاقات بين البلدين تدهوت إلى أدنى مستوياتها منذ الحرب الباردة مع تراكم مشاكل كثيرة في العلاقات الثنائية توترت أكثر قبل أسابيع حين تلاسن الزعيمان اثر اتهام (بايدن) نظيره الروسي بأنه “قاتل”.

ورغم هذا التوتر وتلك الخلافات تشهد العلاقات الأمريكية/ الروسية حالة من التوافق الثنائي على مواضيع بل هي تشهد تعاوناً مشتركاً مثل مواجهة التغير المناخي، وجائحة كورونا. وكما هو متوقع فإن القمة ستتداول بالأساس الملفات الخلافية، وهي عديدة على رأسها ملفات أوكرانيا، والهجمات السيبرانية، وبيلاروسيا (روسيا البيضاء)، وحقوق الإنسان، واتهامات التدخل في الانتخابات الأمريكية، والأسلحة النووية الجديدة التي تنشرها روسيا ومراقبتها… وغيرها.

بحسب الصحافة العالمية، ستقتصر أعمال القمة على يوم واحد، في ختام أول جولة دولية يقوم بها (بايدن) كرئيس للولايات المتحدة، يلتقي فيها مع قادة دول مجموعة السبع الكبرى في بريطانيا ويجري محادثات مع شركاء الولايات المتحدة في حلف شمال الأطلسي في بروكسل، الذين يسعون إلى تشكيل جبهة واحدة ضد موسكو وغيرها من الخصوم والأعداء. ووفقاً لتقرير نشرته صحيفة “نيويورك تايمز” الأمريكية، “يتوقع المسؤولون بالبيت الأبيض ألا تؤدي القمة إلى حدوث اختراق كبير، وأن (بايدن) سيركز خلالها على نفس الموضوعات التي أثارها مع (بوتين) خلال الاتصال الهاتفي بينهما”. كما سيثير الرئيس الأمريكي قضية المعارض الروسي أليكسي نافالني، وينوي مناقشة الهجمات السيبرانية ضد أمريكا”. بالمقابل، يوضح التقرير أن “روسيا تتوقع أن يعيد بوتين مطالبته لأمريكا بضرورة احترام المصالح الروسية، حيث يعتقد الكرملين أن واشنطن تريد تقويض حكم بوتين، داخل روسيا وأيضاً في شرق أوروبا”.

القمة في حد ذاتها مهمة للغاية، لكن هل نتوقع تحولاً نوعيا في العلاقات الأمريكية الروسية خلالها أم نتوقع تحقيق تقدم بسيط كون القمة تأتي وسط عقوبات أمريكية على روسيا بسبب حشد قواتها على الحدود مع أوكرانيا، وقضية اختراق إلكتروني روسي لشركة “سولار ويندس”، واعتراض بيلاروسيا طائرة شركة “ريان إير” واعتقال صحفي كان على متنها… إلخ. أغلب الظن أن لا يتم التوصل إلى تفاهم بشأن قضايا الخلاف العميق خلال اجتماع واحد، ولن تكون القمة نقطة فارقة بين واشنطن وموسكو، لكن أقلها، يمكن لها أن تبلور مقاربة مشتركة تعمل على تخفيف التوتر والاتجاه نحو علاقة بناءة لربما تُسهم في مساعدة العالم على التعافي من أزماته.

النظام الدولي أحادي القطبية أثبت فيما مضى عدم قدرة أي طرف على إدارة الأحداث الدولية وحيدا. واليوم في ظل رغبة (بايدن) الصريحة لاستعادة واشنطن دورها وقوتها السابقة المعهودة في العالم، وإصرار روسيا على ضرورة اعتراف واشنطن بها كدولة لا يمكن تجاهل دورها عالميا، بل، وربما، لا حل ممكن بدونها، هل يقودنا هذا الحال إلى ثنائية قطبية جديدة، وربما ثلاثية مع الصين الصاعدة؟

Dr.asad

كاتب وباحث عربي، ومحلل سياسي مختص في القضايا الفلسطينية وشؤون الصراع العربي الإسرائيلي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى