نزيف (سلوان) في سياق نزيف القدس
تسابق «إسرائيل» الزمن لتهويد الأحياء في القدس المحتلة ضمن محاولاتها إنهاء الحق الفلسطيني فيها. ويتركز نشاط الجمعيات الاستعمارية/ «الاستيطانية» في الاستيلاء على الأماكن المقدسة والعقارات الفلسطينية في «زهرة المدائن» في أحياء البلدة القديمة وسلوان والشيخ جراح وواد الجوز وغيرها، ما يبقي الوضع هناك «كالجمر تحت الرماد» يشتعل مع كل إجراء إسرائيلي يهدف إلى تهويد اي جزء من المدينة.
بالأمس، التهبت بؤرة أخرى من البؤر التي تنوي «إسرائيل» تهويدها، مع عدم بت المحكمة المركزية في القدس المحتلة في استئناف أهالي حي بطن الهوى في سلوان ضد قرارات إخلائها من منازلها لصالح «مستوطنين»، كنوع من محاولات الاحتلال لإثبات الاستيلاء على ملكية منازل سلوان، حيث بات سكان البلدة يواجهون نفس مصير سكان حي الشيخ جراح من محاولة تهجير سكانه. بل إن ما حدث و/ أو ما يتوقع حدوثه في بلدة سلوان أفدح وأخطر مما يحدث في الشيخ جراح، حيث تجري الآن محاولات واسعة لتهويد البلدة التاريخية التي تقع جنوب المسجد الأقصى والملاصقة ل?سواره. وسلوان من الأماكن ذات الكثافة السكانية العالية، ويمكن اعتبارها أكبر البلدات في القدس حيث يعيش نحو 55 ألف نسمة، يطلق عليها المستعمرون/ «المستوطنون» الإسرائيليون «داوود» مدعين أن النبي داوود أقام مملكة في هذا المكان وبالتالي لهم حق العودة وإقامة حي يهودي على تلك الأرض.
ترجع بدايات هذه الأزمة إلى محاولات الاحتلال في 1967 السيطرة على أحياء البلدة (حي البستان، بطن الهوى، وادي ياصول، عين اللوزة، وادي حلوة، وادي الرباب) لتصبح المدخل الجنوبي «للهيكل المزعوم» الخاص بهم أسفل الأقصى. واليوم، أول أحياء البلدة، حي بطن الهوى، سكانه في طليعة المهددين بالتهجير القسري والتطهير العرقي ضمن جريمة الحرب الجماعية التي يشنها الاحتلال وجمعياته «الاستيطانية» حيث تدعي «عطيرت كوهانيم» ملكية يهود اليمن لاراضي البلدة قبل 139 عاما. وفي العام الماضي، تم إخلاء 14 منزلا من 24 اتخذت قرارات قضائية باخلا?ها، وراهنا، هناك 80 عائلة مهددة بالاخلاء قوامها 700 مواطن، ثم يليها حي البستان حيث 70 منزلا يقطنها 1000 مواطن مهددة بالهدم لإنشاء حديقة توراتية. وما يجري حالياً من تطويق المسجد الأقصى بسلسلة من الحدائق التلمودية والأنفاق المتشعبة حول وفي محيط المسجد الأقصى، مقارفات تهدف للوصول إلى حالة من الاستفراد بالأقصى وإحاطته بحاجز «استيطاني» وبشري وتفريغه من الفلسطينيين.
بطبيعة الحال، فإن ما يحدث في سلوان أمر ممنهج ومسيس هدفه تهجير سكان الحي قسريا، وفي ذات الوقت يمهد الطريق لتنفيذ المخططات الاستعمارية/ «الاستيطانية في المنطقة الأوسع، وهي جريمة حرب جماعية تقودها جمعيتا «عطيرت كوهنيم» و”العاد» الاستيطانيتان المدعومتان من سلطات الاحتلال الإسرائيلي. إذن، هو هجوم استعماري/ «استيطاني”/ إحلالي لتطويق الأقصى بحدائق تلمودية ضمن مخطط تهويد المحيط الأقرب إلى «أولى القبلتين وثالث الحرمين»!
ولأن الحكومة الإسرائيلية وجمعيات «المستوطنين» لا تتوقف لحظة عن مسلسل تهويد سلوان وغيرها من أحياء/ مناطق القدس الشرقية، وهي سياسة تؤدي للمزيد من تدهور أوضاع المدينة وسلب حقوق أهلها/ سكانها الفلسطينيين العرب، فإن الواجب تجاه ما يجري في القدس، وبشأنها، يوجب جعل الصراع هناك وجوديا على درب ضرب مخططات «المستوطنين» الصهيونيين التي تغذي وتتغذى على أطماع اليمين الإسرائيلي الذي يعمل ليل نهار على حسم المعركة الديموغرافية والجغرافية في القدس لصالح المستعمرين. وعليه، فإن معركة الشيخ جراح (وسلوان، ووادي الجوز… وغيرهما? إنما هي جزء من الحرب الأوسع الدائرة لتفريغ «زهرة المدائن» وتهويدها، الأمر الذي يقتضي عدم تسليط الضوء على «شجرة» واحدة من شجرات «الحديقة» المقدسية.