ملف «التقصير» الإسرائيلي: هل يفتح؟
بعد حرب تشرين أول/ أكتوبر 1973 التي فاجأت الدولة الصهيونية، أصدر سبعة من كبار الصحفيين الإسرائيليين الذين شاركوا في الحرب كتابا حمل عنوان «التقصير». وقد رصد هؤلاء في ذلك الكتاب كل نقاط التقصير التي كادت تؤدي إلى هزيمتهم، حيث شكلت لجنة سميت باسم «أغرانات» عقب الحرب للتحقيق في الاتهامات التي وجهها مؤلفو الكتاب إلى القيادات والتي كادت تفسد انتصار عام 1967.
اليوم، أيضا، ثمة أسباب عديدة تثبت أن ما حدث/ يحدث في فلسطين التاريخية، من النهر إلى البحر، هو أشبه ما يكون برأس جبل الجليد الذي يطفو مشيرا إلى «التقصير الإسرائيلي» في جوانب أولية رصدها صحفيون وخبراء وسياسيون إسرائيليون:
1) تباين المواقف الإسرائيلية حيال ما حدث/ يحدث بالقدس عكس حالة إرباك سياسي على المستوى الرسمي، خاصة بسبب عدم عمل القيادة السياسية الإسرائيلية بنصيحة «الشاباك» الذي حذر من استمرار السكوت/ تشجيع التصعيد الإسرائيلي في القدس والتغاضي عن مقارفات المستعمرين/ «المستوطنين» في حي الشيخ جراح والمسجد الأقصى وغيرهما، مع عدم حساسيتهم للقيمة الحقيقية للمقدسات الدينية في أعين الفلسطينيين خاصة في شهر رمضان المبارك، ما ترتب عليه اقتحامات ومواجهات في محيط المسجد والاعتداءات على المصلين، في ظل النشوة التي أصابت رئيس الوزراء الإسرائيلي (بنيامين نتنياهو) ومؤيدوه واستباحتهم كل شيء.
2) استهداف حي وادي الجوز، شكل «صندوق متاعب» للدولة الصهيونية بما أثاره من ذكريات نكبة 1948. هذا، مضافا إلى مخطط الاحتلال لإقامة مشروع سياحي وتجاري وسكني ضخم في الحي الواقع على بعد أقل من 200 متر شمالي المسجد الأقصى وذلك ضمن المخطط التهويدي للمدينة المقدسة، فضلا عن إقامة منطقة التكنولوجيا الفائقة (“وادي السيليكون”) عبر إخلاء وهدم نحو 200 مبنى «صناعي» مملوك لفلسطينيين.
3) أما الأفدح، فتجلى في التقصير المزدوج الأمني/ الاستخباراتي وأيضا السياسي الإسرائيلي اللذين أخذا على حين غرة، فرغم التوقعات الاستخباراتية الإسرائيلية بإمكانية دخول قطاع غزة إلى المعركة نصرة للقدس والأقصى، فإن المستوى السياسي في الدولة الصهيونية لم يأخذ بذلك، متواكبا مع تقصير المستويات الأمنية العليا حين لم تتوقع «انتهاء مفعول» نظرية/ معادلة الردع القائمة على كون القوة الإسرائيلية الهائلة هي أفضل علاج للقوة الفلسطينية المحدودة. فرغم سنوات الحصار الطويلة للقطاع، فوجئ المستويان السياسي والعسكري الصهيوني (بل العالم) بمدى التطور النسبي الذي حققته المقاومة الفلسطينية في نوعية الصواريخ الفلسطينية وعددها. كما اتضح التقصير في تضخيم فعالية «القبة الحديدية» (التي دشنتها الدولة الصهيونية في عام 2011) لإبعاد خطر الصواريخ الفلسطينية، التي طالما اعتبرها (نتنياهو وغيره) صواريخ عبثية أو مثيرة للضحك!!!
4) من المؤكد أن معظم قادة «إسرائيل» وقعوا في حالة قصر نظر وقصور في الفهم السياسي لطبيعة الفلسطينيين حين اعتقدوا أن «ظاهرة» ممثل الحركة الإسلامية الجنوبية (منصور عباس) وحالة الأسرلة التي يعيشها وكأنها «تجسيد» لحال فلسطينيي 48، مفترضين أن المذكور يشكل «حالة عامة»، ومتجاهلين ما استثاروه من غضب علني ودفين طوال السنين الماضية من خلال تعاملهم مع فلسطينيي 48 وكأنهم طابور خامس، ناهيك عن تعاظم ذلك الغضب منذ أقرت الدولة الصهيونية «قانون القومية». وبذلك جاءت المفاجأة الكاملة حين توحد الفلسطينيون من النهر إلى البحر في انتفاضة مشتركة بل وانضم إليهم فلسطينيو/ الشتات/ المنفى.
5) كما تجلى التقصير في عدم فهم «إسرائيل» للجيل الفلسطيني الجديد وبالذات في القدس، الذي يعيش الاضطهاد وسلب الأرض والقتل… الخ، والذي لم يعد يخشى القوة الاحتلالية ناهيك عن الإلتزام بقواعد وجود أو عدم وجود التنسيق الأمني، وهو الأمر الذي لم يكسر «حاجز الخوف» لدى أهل «فلسطين التاريخية» فحسب، بل أمدهم بروح دفاعية/ قتالية أذهلت القاصي والداني.
6) أدى الاغترار بالقوة لدى المستويين السياسي والعسكري الإسرائيليين إلى الغطرسة وبالتالي تجاوز كل الخطوط الحمراء أمام العالم متجاهلين قوة مواقع التواصل الاجتماعي التي فضحت المقارفات الإسرائيلية وأوصلتها إلى مختلف بقاع العالم خالقة قوة ضغط هائلة ضد «إسرائيل».
7) وتاليا، تفاجأ قادة «إسرائيل» باتساع وكثافة التأييد والتضامن الشعبي العربي/ الإسلامي/ العالمي مع الحقوق/ وضد المظالم الفلسطينية، بحيث شمل النشطاء وكبار المبدعين المشهورين وصولا إلى قطاعات أوسع من يهود العالم وبخاصة في الولايات المتحدة الأمريكية، الأمر الذي اضطر قيادة هذه الأخيرة إلى منح «أولوية» للصراع الفلسطيني/ الإسرائيلي بعد أن عادت القضية الفلسطينية إلى الصدارة على شاشة الرادار العالمي، وبعد أن كانت «الإدارة الأمريكية» (ومعها باقي العالم الغربي بل ومعظم العربي الرسمي) قد اختاروا تجاهل ملف الحقوق الأساسية للشعب العربي الفلسطيني.