إنتفاضة القدس 2021: عود على بدء

في الوقت الذي تتجه فيه الأمور في الدولة الصهيونية إلى انتخابات خامسة، تظهر الحقيقة الكبرى التي تتمثل بسيطرة اليمين المتطرف على كل مناحي الحياة في «إسرائيل»، بدءا من السياسيين وانتهاء بالمجتمع. ذلك اليمين، الذي اعتبر في يوم من الأيام «أقلية دينية أو قومية متطرفة»، بات اليوم قوة تتعاظم ليس في الأحزاب ذات الأيديولوجيات المتطرفة بل في داخل أغلبية الأحزاب، سواء حسبت على الأحزاب الدينية المتطرفة أو الوسط أو يسار الوسط، وهي بالمجمل ذات صفات فاشية تؤمن، بعقلية اقصائية، أن من حق (الشعب اليهودي) فقط تقرير مصيره في «الأرض الموعودة» لهم من الله، حتى أضحت أحزاب اليمين وأصواته اليمينية المنتشرة في جل الأحزاب الجهة الأكثر تأثيراً في «إسرائيل».

هذا اليمين، المسيطر، باتت «إسرائيل» رهينته ضمن المشروع الاستعماري/ «الاستيطاني”/ الإحلالي، مع رفضها الوفاء بالتزاماتها الدولية بالدفاع عن السكان المحتلين الخاضعين لسيطرتها. وها نحن، بعد 54 عاماً من الاحتلال و74 عاما على النكبة، نرى انتفاضة جديدة تشتعل في القدس جراء الجرائم الإسرائيلية التي سارعت جهات عربية ودولية لإدانتها، فيما طالبت دول غربية، على رأسها الولايات المتحدة الطرفين، الإسرائيلي والفلسطيني، بـ”ضبط النفس» مساوية بين الضحية والجلاد رغم أن القدس تشهد، منذ بداية شهر رمضان وقبله، اعتداءات تقوم بها شرطة الاحتلال و”المستوطنون»، في منطقة «باب العامود» ومحيط المسجد الأقصى. هذا، رغم موقف «ناقد» لإسرائيل في مقارفاتها الخاصة بحي «الشيخ جراح».

المقدسيون، كما عهدناهم، يملكون قدرة خاصة على مواجهة الاعتداءات الإسرائيلية. فقد أفشلوا فرض البوابات الحديدية الإسرائيلية على مداخل الأقصى في 2017، ومنعوا التدخل الإسرائيلي في استقلالية كنائس القدس من خلال محاولة فرض الضرائب الإسرائيلية عليها عام 2018، وحينها أغلقت الكنائس أبوابها احتجاجاً، وهو ما اضطر الاحتلال إلى التراجع. كذلك، أعادوا عام 2019 فتح مصلى باب الرحمة الذي كان الاحتلال قد أغلقه وخطّط لتحويله إلى كنيس يهودي. وقبل هذا وذاك، سجل المقدسيون موقفهم النضالي في انتفاضة 2000، التي اندلعت حين قام رئيس الوزراء الصهيوني الأسبق (أرئيل شارون) باقتحام المسجد الأقصى وتجول في ساحاته ولتستمر حتى العام 2005.

بالمقابل، كانت الضريبة المدفوعة كبيرة، حيث بات «المستوطنون» يستبيحون الأقصى كل يوم. ذلك أن «إسرائيل» تعلم أن ردود الفعل الدولية والعربية لا تخرج عن نطاق الشعارات التي تتوافر فيها مفردات الشجب والاستنكار دون أثر على الأرض. بل إن التوصيات العديدة التي تقرها مثلا مؤتمرات القمم العربية من تشكيل صناديق للقدس ومحاسبة «إسرائيل» هي حبر على ورق ولا تتحول إلى دعم تنفيذي. ولذلك، فهي منذ احتلال القدس كاملة في العام 1967، تعاود الكرة دائما محاولة الحسم النهائي لتهويد أرض وهوية «زهرة المدائن» الدينية والثقافية والسكانية في ضوء إخطارات الهدم الفوري لعشرات المنازل ضمن مخططات التهويد. وبالذات، تواصل «إسرائيل» مقارفاتها في المسجد الأقصى والحرم القدسي الشريف في إطار تعدد مسارات العدوان الفعلي على حقوق المسلمين التاريخية في الأقصى وصولا إلى التقسيم الزماني عبر تخصيص السبت كيوم مقدس يكون فيه الأقصى لليهود فقط، والتقسيم المكاني الذي يستهدف اقتطاع مصلى باب الرحمة والساحة الشرقية من الأقصى، ومحاولة تأسيس «الهيكل المزعوم» ولو معنوياً بأداء كامل الطقوس اليهودية في الأقصى وفي الحرم الشريف.

وعود على بدء، وفي استعادة لما عالجناه سابقا، فإنه من الناحية العملية، يترك العالم (بجل عربه ومسلميه) الأردن، وكذلك السلطة الفلسطينية، وحيدين في مواجهة الممارسات الإسرائيلية ضد الأقصى، دون أن ننسى أن الأجيال الفلسطينية في القدس، وفي عموم أراضي فلسطين التاريخية، لم تعد تحتمل سياسة التطهير العرقي والتمييز العنصري والقمع الوحشي الإسرائيلي، وباتت ترفض الخضوع للاحتلال العسكري والأمني والتمييز العنصري.