بايدن على خطى ترامب تجاه الصين

لا خلاف على أن النفوذ الأمني والاقتصادي للولايات المتحدة الأمريكية بآسيا آخذ في التراجع، في وقت يتنامى فيه – بسرعة هائلة – نفوذ الصين التي تبذل جهدا كبيرا لتحل محل واشنطن في الدفاع عن تحرير التجارة العالمية. كذلك، ومنذ 2005، تمكنت عديد الشركات الصينية الكبرى من اقتحام السوق الأمريكية وجني مليارات الدولارات أرباحا في البورصات الأمريكية. وفي العام الماضي 2020، قامت 30 شركة صينية بالاكتتاب الأولي العام في السوق المالية الأمريكية، وهو أكبر عدد لها منذ عام 2014 حين جرى الاكتتاب الأولي العام لعملاق التجارة الإلكترونية “علي بابا”.

ومع فشل الرئيس الأمريكي السابق (دونالد ترامب) في حربه التجارية ضد الصين، يتحدث الكثيرون عما يمكن أن يفعله الرئيس الأمريكي (جو بايدن) في سياق محاولات تجنب أخطاء الماضي التي ارتكبها سلفه في التعامل مع الصين، وذلك ربما عبر بلورة سياسة ناجعة لضمان حُسن سير العلاقات وتحقيق المصالح المشتركة. غير أن من الواضح، كما ظهر في خطاب (بايدن) الذي لخص فيه ملامح السياسة الخارجية التي ينوي تطبيقها وإصراره على ربطها بالسياسة الداخلية (وبالطبع في القلب منها العلاقات الأمريكية الصينية) يؤشر على خلافات في كيفية التعامل مع الصين. ففي الوقت الذي يريد بعض صناع السياسة (على غرار كورت كامبل – كبير مستشاري بايدن حول آسيا) التعامل مع بكين من خلال إحياء التحالفات والشراكات الآسيوية التي تضررت في عهد (ترامب)، فإن، وبحسب تقرير مجلة “فورين بوليسي”، “تنفيذ أجندة بايدن التي تركز على الداخل من شأنه أن يصعّب دفع السياسات الاقتصادية والتجارية التي قد تجذب الدول الشريكة في آسيا لإعادة بناء النفوذ الاقتصادي الأوسع للولايات المتحدة”.

في تقرير لها، توقعت مؤسسة Cowen الأمريكية للأبحاث “زيادة المخاطر على المستثمرين الأمريكيين في الصين، حيث تتبع إدارة (بايدن) نهجا أكثر شدة تجاه بكين مما كان في عهد (ترامب)”. ويقول (جاريت سيبرغ) المحلل في المؤسسة: “نعتقد أن الرئيس بايدن يمثل مخاطر أكثر على الشركات المالية العاملة على المحور الصيني مما كان يمثله الرئيس ترامب. نعتقد أن نهج فريق بايدن سيكون استراتيجيا ومتعدد الجوانب وفعالا أكثر في مواجهة الصين، مقارنة بفريق ترامب”. كما اعتبر أن “الضغط المستمر من قبل الإدارة الحالية سيترجم على أرض الواقع بما كانت تسعى إليه إدارة ترامب، بما في ذلك شطب الشركات الصينية من البورصات الأمريكية”. وعليه، من المتوقع أن تمنع إدارة (بايدن) الأمريكيين من الاستثمار في البنوك الصينية، إضافة إلى توسيع “القائمة السوداء” للاستثمار لتشمل الشركات المرتبطة بالجيش الصيني. كما يتوقع أن تواجه الشركات الصينية صعوبات أكثر في شراء شركات مالية أمريكية في ظل القيود على وصول الجهات الصينية إلى البيانات الشخصية للأمريكيين والتي فرضتها واشنطن.

تدرك الولايات المتحدة أن دول جنوب شرق آسيا باتت أكثر اعتمادا على الصين لتحقيق النمو. بل إن حلفاء الولايات المتحدة المخلصين – مثل اليابان وكوريا الجنوبية – يشعرون بالقلق من القوة الجيوسياسية المتصاعدة للصين، ويعترفون بالاعتماد المالي المتبادل مع بكين. كما تدرك إدارة (بايدن) أن انتعاش اقتصاد الصين بسرعة وتزايد جاذبيتها للاستثمارات الأجنبية يعود إلى قدرة بكين على السيطرة على جائحة كورونا داخل حدودها متفوقة على الولايات المتحدة. كذلك، باتت الصين الأولى في الاستثمارات الأجنبية المباشرة، ونما الناتج المحلي الإجمالي للبلاد، فيما تراجعت الاستثمارات الجديدة للشركات الأجنبية في الولايات المتحدة. وعليه، ليس من المتوقع أن تتباين كثيرا خطط الإدارة الأمريكية الحالية عن سابقتها.

Dr.asad

كاتب وباحث عربي، ومحلل سياسي مختص في القضايا الفلسطينية وشؤون الصراع العربي الإسرائيلي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى