آفاق “الحرب التجارية” بين واشنطن وبكين
طوال سنوات أربع، اتخذت إدارة الرئيس الأمريكي السابق (دونالد ترامب) موقفًا متشددًا تجاه الصين، بلغ ذروته مع إعلان البلدين فرض رسوم جمركية متبادلة، فيما يتوقع خبراء الاقتصاد أن إدارة الرئيس الأمريكي الحالي (جو بايدن) ستكون أكثر عقلانية حيال الحرب التجارية مع الصين، لكنها ستظل مجبرة على الاستمرار في إعاقة طموح الصين بالحصول على لقب “أكبر اقتصاد بالعالم”، الذي يتوقع أن تصله، كما تخطط بكين ووفق المؤشرات الاقتصادية، في غضون الـ20 عاما المقبلة.
عليه، لا يبدو أن تغييرا متوقعا سيكون ملحوظا في السياسة الأمريكية تجاه الصين في عهد (بايدن) بفارق كبير عن سلفه (ترامب)، اللهم أنها ستكون أقل صرامة وعدائية، مع استخدام واشنطن لعلاقتها مع أوروبا، خاصة ألمانيا، كورقة رابحة في إعاقة النمو الاقتصادي في الصين، علما بأن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي وارتباطها باتفاقيات مع بكين ما يعني عقبة أمام مساعي الولايات المتحدة، بالإضافة إلى سعي الإدارة الأمريكية الجديدة إلى حشد الدول المتحالفة مع واشنطن لمواجهة الصين.
إدارة (بايدن) ستكون مطالبة بالوقوف في وجه الصين، ولكن سيتم اتباع أسلوب أكثر عقلانية من الناحية السياسية على عكس عهد (ترامب)، وربما عبر إقامة حوار بين البلدين بهدف الوصول إلى حلول وسطية تحافظ على التوازن الاقتصادي. رغم ذلك، ما زال التوتر بين البلدين مستمرا ويتواصل. ففي أول اجتماع مباشر رفيع المستوى منذ أن تولى (بايدن) مهام منصبه، أنهى كبار الدبلوماسيين الأمريكيين والصينيين يومين من المحادثات المكثفة المثيرة للجدل في ألاسكا. وفي تعليقات عامة نادرة، تبادل وزير الخارجية الأمريكي (أنتوني بلينكين) ونظيره الصيني (وانغ يي) وجهات نظر متباينة بشدة عن بعضهما والعالم. ثم تلاها اتهام الولايات المتحدة الصين، قبل أيام، بارتكاب “إبادة جماعية وجرائم ضد الإنسانية” ضد مسلمي الأويغور والأقليات الأخرى، بينما وجهت بكين اتهامات إلى واشنطن بالتمييز والكراهية “وحتى القتل الوحشي للأشخاص المنحدرين من أصول أفريقية وآسيوية”. وجاء هذا الاشتباك في احتفال الجمعية العامة للأمم المتحدة باليوم الدولي للقضاء على التمييز العنصري!!
في عهد الإدارة السابقة، أغلقت جميع قنوات الحوار بين البلدين وانخفض الشعور بالثقة إلى أدنى مستوياته، الأمر الذي أدى إلى تكبيد البلدين أضرارا اقتصادية كبيرة. هذا، ومن المتوقع أن الصراع بينهما سيأخذ منحى أكثر شمولية خلال السنوات المقبلة، وسيكون للتحالفات الاقتصادية دورها البارز في معادلة التنافسية بين واشنطن وبكين. ومما يجدر التأكيد عليه أن الموقف الصارم للولايات المتحدة حيال النمو الصيني لم يكن من صنيعة (ترامب) وحده، بل هو سياسة استراتيجية للولايات المتحدة الأمريكية منذ سنوات طويلة. لذا، ستستمر سيطرة روح التنافس على العلاقات بين واشنطن وبكين، رغم بروز احتمالات خفض حدة الصراع نسبيا مقارنة بعهد (ترامب).
الأمر الخطير راهنا، يتجلى في أن أيدلوجيا صراع الهيمنة الجاري حالياً بين بكين وواشنطن ربما يؤذي العالم كثيرا وسط تحديات جائحة كورونا وما يرافقها من كساد اقتصادي عالمي. ذلك أن صراع الهيمنة بينهما مبني – حتى الآن – على أن تحقيق المكاسب تتم لطرف إلا بخسارة الطرف الآخر! ولعل هذه الحقيقة الصارخة والمؤذية ستدفع الطرفين إلى التهدئة ومباشرة التفاوض بحثا عن حل وسط!