الصناديق السيادية: كيف.. ولماذا؟

عديد الدول تبحث عن خطط بديلة في سياق تنويع مصادر دخلها غير معتمدة على قطاع أو قطاعين، وإن كانا الأبرز والأنجح لديها. في هذا السياق، تظهر تجربة صندوق الثروة السيادية، وهو صندوق تؤسسه الدولة من أموال فائضة لديها وتحيد أمواله عن الاستخدامات والنفقات الجارية، حافظة تلك الأموال للأجيال القادمة لتستخدم في الأوقات الصعبة عندما تمر الدولة بضائقة مالية أو ظروف صعبة. ومن الممكن وصف هذه الصناديق ككيانات تدير فوائض دولة من أجل الاستثمار، وهي مجموعة من الأموال تعد بمليارات الدولارات تستثمرها الدول في الأسهم والسندات.

لقد استطاعت هذه الصناديق الاستحواذ ضمن القطاع المالي وحده على حصص في مؤسسات عالمية عملاقة، نراها اليوم منتشرة في العالم، منطلقة من الخليج العربي، حيث يعود تأسيس أول صندوق إلى العام 1953 حين أنشأت دولة الكويت أول صندوق سيادي في العالم (الهيئة العامة للاستثمار الكويتية)، مرورا إلى النروج التي تمتلك اليوم أحد أكبر الصناديق السيادية حول العالم، وصولا إلى سنغافورة والصين وروسيا والتشيلي فنزويلا، حيث تعتبر عائدات النفط المصدر الأساسي لأموال أكبر هذه الصناديق الاستثمارية السيادية عالميا. وبالتزامن مع ارتفاع أسعار النفط وازدياد واردات الدول المنتجة للخامات، ازدادت ثروات هذه الصناديق، كما تعتبر الاحتياطيات النقدية الأجنبية مصدراً أساسياً أيضاً.

يتمثل الطموح الأساسي لصناديق الثروة السيادية في جمع المدخرات الوطنية طويلة الأجل لمصلحة الأجيال المقبلة، وذلك بتنويع الاستثمارات على الصعيدين المحلي والخارجي، وبمختلف القطاعات التي تحقق مزيداً من الأرباح والقوة الاقتصادية. وبحسب تحليل حديث صادر عن موقع “إنترناشيونال بوليسي دايجست”: “منذ العام 1953، الذي شهد ولادة صندوق الثروة السيادية الكويتي إلى يومنا هذا، هناك الآن 91 صندوق ثروة سيادية في العالم، بأصول إجمالية تزيد عن 8.2 تريليونات دولار”.

يرى البعض القليل أن عمل هذه الصناديق يفتقر إلى الشفافية. فمعظمها لا يكشف عن حجمه أو نشاطه أو عوائد استثماراته وتوزعها. ومن جهة أخرى، ثمة احتمال بقيام الدول المالكة للصناديق بممارسة نفوذها السياسي للإمساك بمفاصل القرار الاقتصادي في الدول المستهدفة. ورغم ذلك، بات لهذه الصناديق دور إيجابي في سوق الأعمال، وظهر دورها المهم في إنقاذ النظام المالي الدولي بعد الأزمة العالمية في العام 2008 حين ضخت عشرات المليارات في المؤسسات العالمية التي كانت تواجه خطر الإفلاس فحققت للبلدان المالكة ربحا أكبر قدر ما بين مئات الملايين والمليارات سنوياً.

الصندوق السيادي يشبه أي صندوق استثمار عادي لكنه بدلا من أن يدير أموال أفراد أو جهات خاصة، نجده يدير أموال دول كاملة مقدما لها فائدة كبيرة بتنويع مصادر ربحها. فإذا كانت الدولة تعتمد في مصدر دخلها بصورة كبيرة على قطاع السياحة مثلا، يسمح لها الصندوق السيادي بالاستثمار في مجالات أخرى ليقيها خطر الأزمات الاقتصادية التي قد تترتب على انهيار هذا القطاع لأي سبب كان. إذن، تنبع أهمية الصناديق السيادية بتنويعها الاستثمارات بالنسبة للاقتصادات التي يعتمد مجمل اقتصادها على قطاع واحد أو حتى اثنين فقط، وبما يزيد الدخل المحلي الإجمالي عن طريق استثمارات آمنة أو قليلة الخطورة. كما أنها تحفظ الأموال من أجل تلافي تقلبات السوق والتدخل في حالة الأزمة المالية، وتحفظ كذلك، الأموال من أجل الأجيال القادمة وضمان حقها في الثروات الطبيعية التي تتمتع بها الأجيال الحالية، وأخيرا دمج الاقتصاد الوطني في المنظومة العالمية وتعزيز الاستثمار المتبادل.