«حل الدولتين» يغيب.. و«الأبارتايد» يحضر؟

مع تضاؤل الآمال بشأن خيار «حل الدولتين» رغم الإصرار العالمي على أنه السبيل الوحيد والأنسب للانتهاء من الصراع الفلسطيني/ الإسرائيلي، تتزايد فرص «حل» قيام «دولة واحدة ثنائية القومية» تحت سيادة إسرائيلية شبيهة بدولة الفصل العنصري «الأبارتايد» التي سادت في جنوب إفريقيا! وباستخلاصات المتابعين الإسرائيليين وغيرهم فإن التهديد المركزي الذي يواجه الدولة الصهيونية هو الإنزلاق المستمر إلى واقع الدولة الواحدة ثنائية القومية، واقعا احتلاليا وليس اختياريا. فمنذ احتلال عام 1967، أسفرت سياسات كل الحكومات الإسرائيلية عن مز?د من «ضم» ملايين الفلسطينيين الذين يعيشون بالقرب منهم، مع تجاهل مفهوم «المواطنة المتساوية» أو ضمان الحقوق والواجبات.

وفي ظل تعاظم قوة اليمين المتطرف في الدولة الصهيونية وسيطرته على الحياة السياسية والعسكرية، يبدو واقع «الدولة الواحدة» الاحتلالية هو الطاغي على ما سواه، مع طرح إسرائيلي متصاعد، في سياق عنصري توسعي، ينكر وجود الشعب الفلسطيني ولا يعترف بحقوقه في قيام دولته.

وفي ظل «الدولة الواحدة» الاحتلالية راهنا، تظهر إشكاليات لا تغيب عن عديد الإسرائيليين، إذ يدركون خطورتها على وجود «دولتهم»، وعلى نهاية الحلم الصهيوني في إقامة دولة يهودية «نقية» وبالذات في ظل النمو الديموغرافي الفلسطيني، وبالتالي لن يُسمح – إسرائيليا – لهكذا سيناريو أن يتحقق. وفي السياق، يقول (تامير فردو) الرئيس السابق للموساد: «الإعلان عن العجز لاتخاذ قرار مستقل، سواء بالضم (المدمر، في رأيي) أو بالانفصال المدني من خلال استمرار السيطرة الأمنية، أثمر طوال 50 عاماً انزلاقاً مستمراً إلى واقع دولة ثنائية القومي?. وهذا آخذ بالتبلور من دون أن تقوم المنظومة الأمنية بتحليل تداعياته على أمن إسرائيل، واقتصادها، ومكانتها الدولية، أو استقرار علاقات السلام مع جيرانها».

وتأكيداً لواقع الدولة الاحتلالية الواحدة الناجمة عن رفض لمطلب «حل الدولتين» والذي لطالما تحدث عنه المفكر اليهودي البارز (نعوم تشومسكي)، جاء، أخيراً، تقرير غاية في الأهمية أصدرته منظمة «بتسيلم» (المنظمة الإسرائيلية للدفاع عن حقوق الإنسان) بعنوان «نظام تفوّق يهوديّ من النهر إلى البحر: إنّه أبارتهايد». وقد اعتبر هذا التقرير نقلة نوعية في تاريخ هذه المنظمة التي تأسست سنة 1989 خلال الانتفاضة الفلسطينية الأولى. فللمرة الأولى في تاريخها، توسّع «بتسيلم» من فهمها لمصطلح «أبارتايد» لكي يشمل «جميع أشكال الحوكمة التي ?طبقها إسرائيل على الفلسطينيين الذين يعيشون تحت إدارتها، أكانوا مواطنين إسرائيليين أم لا». وتشرح المنظمة الأسباب التي تجعل في نظرها من هذا المصطلح الأكثر ملاءمة للواقع الذي يشهده الفلسطينيون الذين يعيشون في ظل القانون الإسرائيلي، وتختم تقريرها بالقول: «إنّ السّعي بعزم نحو مستقبل يقوم على مبادئ حقوق الإنسان والحرّية والعدالة–ضروريّ اليوم أكثر من أيّ وقت مضى. هناك خيارات سياسيّة مختلفة لتحقيق مستقبل يقوم على هذه المبادئ، والحسم بينها يجب أن يتولّاه جميع البشر الذين تقرّر هذه الخيارات مستقبلهم. هذا بالنسبة للم?تقبل، أمّا القرار الأخلاقيّ الحاسم–لا للأبارتايد–فمن واجبنا جميعاً اتّخاذه اليوم».

Dr.asad

كاتب وباحث عربي، ومحلل سياسي مختص في القضايا الفلسطينية وشؤون الصراع العربي الإسرائيلي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى