العلاقات الأمريكية/ التركية: إلى أين؟
ربما لم تكن علاقة الرئيس التركي (رجب طيب أردوغان) بنظيره الأمريكي السابق (دونالد ترامب) على أحسن ما يرام خاصة في ظل السياسات الخارجية المتناقضة المتخالفة وبالذات في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا والتي ساهمت في تأزم علاقاتها مع محيطها الإقليمي والدولي، على رأسها التدخل العلني في سوريا. ورغم التوتر الذي شابها في بعض مراحلها، تميزت العلاقات الأمريكية/ التركية في عهد (ترامب) بالتقارب والتفاهم بشكل عام، وهو الأمر الذي جعل (ترامب) يعلن أنه “من كبار المعجبين” بالرئيس التركي “القوي” جريا على مواقف ترامبية مشابهة ومتراكمة تجاه زعماء آخرين من النوع ذاته سواء في كوريا الشمالية أو غيرها.
والآن، مع وصول الرئيس (جو بايدن) إلى البيت الأبيض، من المرجح أن تأخذ العلاقات الأمريكية/ التركية مساراً أقل سلاسة، وذلك مذ أعلن (بايدن) في أول مقابلة صحفية بعد فوزه بالانتخابات الرئاسية: “إردوغان رجل مستبد، وعلى الولايات المتحدة أن تشجع المعارضة التركية من أجل مواجهة إردوغان في صناديق الاقتراع”، بمعنى التخلص منه. بل إنه ذهب إلى حد التصريح بأن “سلوك أردوغان جعله يشعر بالقلق على سلامة الأسلحة النووية الأمريكية الموجودة على الأراضي التركية”.
هناك عديد الملفات الخلافية بين واشنطن وأنقرة، تتفاوت في أهميتها، ومن المتوقع أن تلقي بظلالها على العلاقات بين البلدين:
أولا: حصول تركيا على منظومة الصواريخ الروسية المتطورة أرض – جو “إس – 400” من جهة أولى، وهي القادرة، حال تشغيلها مستقبلا، على اختراق أسرار الأنظمة الإلكترونية التي تحملها الطائرة الأمريكية الخفية من الجيل الجديد “إف – 35”. ومن جهة ثانية، يتكرر الرفض الأمريكي لتزود أي عضو في “الحلف الأطلسي” بأسلحة وعتاد تكنولوجي متطور، روسي الصنع، ما يدخل تركيا في نطاق القانون الأمريكي “مواجهة أعداء أمريكا من خلال العقوبات – كاتسا”، الذي يستهدف الدول التي تعمل مع قطاع الدفاع الروسي، والذي صوت عليه الكونغرس الأمريكي في العام 2017، وهو ما تم بالفعل فقد فرضت عقوبات على تركيا في كانون أول/ ديسمبر الماضي أي بعد الانتخابت الرئاسية.
ثانيا: اختلاف المقاربات بين تركيا والولايات المتحدة بشأن السياسة الخارجية لأنقرة، على رأسها سوريا، وكذلك المشاحنات في مياه البحر المتوسط الشرقي. ففي سوريا، المقاتلون الأكراد، في السياسة الأمريكية، مناضلون من أجل الحرية، وليسوا “تهديدا سياديا” ضد تركيا. وبشأن الوضع في مياه المتوسط، فالتوتر بين عضوين في “الأطلسي” هما تركيا واليونان يثير المخاوف في منطقة مطلوبة مليئة بثروات الغاز والنفط.
ثالثا: اتهام واشنطن لأنقرة بالالتفاف على العقوبات التي فرضتها الأمم المتحدة ضد إيران، وبخاصة عبر البنك التركي العائد للقطاع الحكومي “خلق بنك”، والذي من المقرر بدأ محاكمته في الأول من آذار/ مارس المقبل ما سيضر بالاقتصاد التركي. والبنك هو أحد أكبر المقرضين الحكوميين في تركيا، ومتهم بغسل حوالي 20 مليار دولار نيابة عن الحكومة الإيرانية وغيرها من المؤسسات التابعة لها بين الأعوام 2010 – 2016.
معروف أن تركيا تمتلك ثاني أكبر جيش، عددياً، داخل “الأطلسي”، وتضع بتصرف “الحلف” قاعدة إنجرليك الجوية، حيث الأسلحة النووية الأمريكية. لذا، تتوقع واشنطن بشكل كبير أن تعمل أنقرة كحليف في “الأطلسي”. وبحسب الباحث (أوزغور أونلوهيسارجيكلي) مدير صندوق مارشال الألماني لمكتب الولايات المتحدة في أنقرة: “ربما تكون الخطوة الأولى المتوقعة من أنقرة هي التخلي عن عملية التقارب مع روسيا وتحويل وجهها إلى التحالف عبر الأطلسي مرة أخرى”، خاصة وأن النهج السياسي الأهم في السياسة الخارجية للرئيس (بايدن) هو تقريب العلاقات مع أوروبا وتعزيز التعاون عبر “الأطلسي” مرة أخرى. وإلى أن يتحقق ذلك أو لا يتحقق، سيبقى ذلك القدر من التوتر في العلاقات الأمريكية/ التركية سيد الموقف.