لماذا غزل تركيا مع إسرائيل؟
منذ تولي الرئيس التركي (رجب طيب أردوغان) الحكم بات الوجود السياسي، وبالذات العسكري، التركي في عدة أماكن مثيراً للقلق في أوساط واسعة. وهو يعمل من أجل تحقيق حلمه بتحويل تركيا إلى دولة إقليمية عظمى، وهو ما عبر عنه صراحة في خطاب ألقاه في العام 2011 أثناء تسليم أول سفينة حربية تم تصميمها وبناؤها حصريًا في تركيا: “المصالح الوطنية لتركيا تمتد من قناة السويس والبحار القريبة إلى المحيط الهندي”. وحالياً يوجد لتركيا وجود عسكري أو مدني في العراق، وسورية، وليبيا، والصومال، وأذربيجان، وأفغانستان، وألبانيا، والبوسنة، وكوسوفو، وقطر. كما أن تركيا طورت حثيثا، خلال العشرين عاما الماضية، صناعتها البحرية والدفاعية (وبتعاون وثيق مع إسرائيل في فترة معينة). كما نجحت، في غضون ستة أعوام فقط (2010-2016)، في فتح 26 سفارة في إفريقيا، ووسعت من نطاق وصولها إلى المحيط الهادئ من خلال عقد اتفاقيات دفاعية واقتصادية مع دول مثل باكستان وماليزيا.
تركيا اليوم، تنتهج سياسة تمدد على عدة جبهات: في الحوض الشرقي للبحر المتوسط في مواجهة اليونان وقبرص حول الحدود البحرية، في لبيبا في محاولة مستمرة لدعم الحكومة في طرابلس، في الصراع الأذري – الأرميني بشأن الخلاف على إقليم ناغورنو كاراباخ. وفي هذا يقول (ألكسندروس دياكوبولوس): “تمر تركيا اليوم بنوبة قومية، وهي مزيج خيالي من القومية الكمالية والإسلاموية والتطلعات العثمانية الجديدة. وفي الواقع، تم إلغاء حرية التعبير والإعلام، كما تم إلغاء معظم الحقوق المدنية. وتورطت الأحزاب السياسية في لعبة النفوذ القومي ويتم قمع كل صوت معارض في البلد ووصفه بالخيانة”. وعن هذه الحقائق، تكاثرت التقييمات والاستخلاصات.
ورغم إصرار تركيا اللعب على الأضداد، فإنها كذلك تتخوف من تصنيفها، بسبب سياساتها، في خانة الأعداء. وفي السياق، حرصت تركيا على تحسين العلاقات مع “إسرائيل” من خلال تصريحات (أردوغان) عن “علاقات تركيا مع إسرائيل (التي) لم تتوقف على المستوى الاستخباراتي، لكن هناك مشكلات تحول دون انتقال العلاقات للأفضل”. و(أردوغان) ذاته، هو في أحيان، ممثل للسنة وراعي للإسلام السياسي، مثلما يوظف القومية والمذهب عند الحاجة، وهو ما حدث حين أغضب إيران، خلال زيارته لأذربيجان، في سياق الاحتفال بما يمكن توصيفه بنشوة النصر في إقليم “ناغورني قره باخ”، بإنشاده قصيدة لشاعر إيراني من أصل أذربيجاني تتضمن دلالات “قومية” بأن المناطق الشمالية الغربية الإيرانية “شيعية” هي جزء من أذربيجان.
تعلم تركيا أن نفوذها المتزايد يزعج معظم دول المنطقة، علاوة على الدول الكبرى ذات المصالح الاستراتيجية في البحر الأبيض المتوسط، مثل الولايات المتحدة وفرنسا. لذا، نجد (أردوغان) قد اختار اليوم الذي فرضت فيه الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي عقوبات على بلاده كي يغضب إيران، لاسترضاء حلفائه الغربيين على قاعدة أن الرضا الغربي والأمريكي عن سياساته هو الأهم مع السعي لتجنب العقوبات كما يحدث مع طهران.
الغزل المتجدد بين تركيا و”إسرائيل”، جعل المحلل الإسرائيلي (ميخائيل هراري) يتساءل: “هل التلميحات التركية فيما يتعلق بإسرائيل هي رسالة إلى إدارة جو بايدن؟ ليس من المستبعد أن المقصود هو فعلاً تلميحات لإظهار اهتمام بتحسين الأجواء بين تركيا وإسرائيل. في المحصلة تشعر تركيا بالعزلة والتحدي في مواجهة المنظومة الإقليمية، التي تضم إسرائيل، واليونان، وقبرص، ومصر، ودول الخليج”. ولعل الأهم هو شعور (أردوغان) بقدرة “إسرائيل” بعلاقاتها المتميزة مع الولايات المتحدة ومراكز القرار المتنوعة فيها – ومع عدد من الدول الأوروبية الغربية أيضا – على توظيف هذه العلاقات لرأب الصدع (إن لم يكن لتعزيز) العلاقات مع قيادات المعسكر الغربي!