تركيا والاتحاد الأوروبي: لماذا الافتراق المتواصل؟

رغم الفشل (والبعض يقول: الإفشال) المتلاحق لتركيا منذ عشرات السنين، لا زال حلم الإنضمام إلى “الاتحاد الأوروبي” يراود حكام تركيا وشعبها. وبالعودة إلى الوراء، نرى أن تركيا، ومنذ العام 2013، هي من بدأت تتراجع عن قواعد “الاتحاد” ومعاييره، خاصة مع ترسخ نظام الحكم الواحد في تركيا مع الترويج لمعاداة الغرب في السياسة التركية، بل ترسخ في أنقرة نظام فردي جديد معادٍ ليس لأوروبا فحسب بل ولمعظم جيرانها العرب وغير العرب.

في حين يرى “الاتحاد الأوروبي” في تركيا دولة هامة إلا أنه لا يرغب في عضويتها الكاملة. ربما “شراكة مميزة” على عكس ما تسعى وترغب به تركيا. ويتعامل “الاتحاد الأوروبي” وتركيا عبر تقديم المصالح السياسية والاقتصادية على القانونية، رغم أن الإصلاحات القانونية التي كان على تركيا الإلتزام بها للإنضمام إلى “الاتحاد” احتلت منذ البداية حيزا مهما. فعلى سبيل المثال، في العام 2019، بلغ حجم التجارة بين تركيا والاتحاد الأوروبي حوالي 138 مليار يورو، ما جعل تركيا سادس أكبر شريك تجاري “للاتحاد الأوروبي” بنسبة 3%.

هذه الأيام، دخلت العلاقات بين الطرفين مرحلة مجهولة، تجلت في قرار قادة “الاتحاد” اعتماد حزمة جديدة من العقوبات على تركيا، بسبب “أنشطتها الأحادية والاستفزازية في شرق البحر المتوسط”، مما أثار غضب أنقرة التي وصفت القرار بأنه ضار بالمصالح المشتركة. وقد علق الرئيس الفرنسي (إيمانويل ماكرون) بالقول: “العقوبات الجديدة تُظهر أن الاتحاد الأوروبي لن يقبل بعد الآن أي أعمال مزعزعة للاستقرار في نطاقه”، بينما قال رئيس قمة الاتحاد الأوروبي (شارل ميشيل): “الاتحاد يريد تعاونًا مسؤولاً مع تركيا بشأن هذه القضية”، فيما أشارت المستشارة الألمانية (أنغيلا ميركل) إلى أن “صادرات الأسلحة إلى تركيا ستتم مناقشتها بين أعضاء الناتو جنبًا إلى جنب مع الإدارة الأمريكية المقبلة”. وبالإضافة إلى العقوبات، دعا الممثل الأعلى للاتحاد الأوروبي (جوزيف بوريل) إلى “تقديم تقرير عن حالة اللعب فيما يتعلق بالعلاقات السياسية والاقتصادية والتجارية بين الاتحاد الأوروبي وتركيا وعن الأدوات والخيارات المتعلقة بكيفية المضي قدمًا، بما في ذلك تمديد نطاق قرار العقوبات للنظر فيه على أبعد تقدير في آذار/ مارس 2021”.

لم تكن أبدا مسألة انضمام تركيا للاتحاد الأوروبي عملا خيريا، بقدر ما هي عمل سياسي اقتصادي يأخذ المصالح المشتركة في الاعتبار الكامل. ومع الافتراق المتواصل بين الطرفين والاختلاف في المواقف تأخذ العلاقات بينها منعطفا جديدا، خاصة وأن تركيا تغير موقفها المحايد وغادرت سياسة “صفر أعداء”، وبدأت تتدخل في شؤون عديد الدول العربية وغير العربية، ودخلت في استراتيجيات “مزدوجة” مع روسيا وإيران والصين، الأطراف المناقضة لسياسة الاتحاد الأوروبي. ولعل الأخطر في العيون الأوروبية وغيرها إن تركيا تحاول الامتداد في الحدود البحرية في المتوسط عبر تقسيم جزيرة قبرص ما يمنحها مياها إقليمية إضافية خالصة للبدء بعمليات الاستكشاف والتنقيب في شرقي المتوسط لاسيما في المناطق المتنازع عليها مع اليونان.

يبدو أن تركيا باتت طامحة إلى استقلالية سياسية توسعية حين دخلت شرق البحر الأبيض المتوسط (ليبيا، حقول الغاز قبالة قبرص واليونان)​​. فشرق المتوسط يثير شهيّة القوى الدولية والإقليمية بسبب حقول الغاز قبالة سواحل فلسطين التاريخية ولبنان ومصر وقبرص، فضلا عن مشروع خط أنابيب غاز “إستميد” بين قبرص و”إسرائيل” واليونان وإيطاليا، والذي يتوقّع أن يُصدّر 16 مليار متر مكعب من الغاز إلى الإتحاد الأوروبي. وهذا الواقع هو في صلب هذه المناوشات التركية/ الأوروبية.