روافع النجاحات الخارجية الإسرائيلية (2-2)

في ظل المتغير اليومي المتسارع في العالم تدخل اهتمامات الدول في إقامة علاقات مع غيرها أينما وجدت في كيفية الاستفادة من هذه العلاقة. وربما تكون “إسرائيل” من أكثر دول العالم قدرة على التعامل مع هذا المتغير. فلطالما رأت نفسها دولة معزولة في محيط عربي معاد ما جعلها تتطلع إلى دول العالم قاطبة. وهي إن كانت شبه ضامنة لعلاقات قوية مع معظم دول القارة الأوروبية وأمريكا الشمالية، إلا أنها كانت تجهد لنفسها في قارات آسيا وإفريقيا وأمريكا اللاتينية.

لكن، ما هي عوامل النجاحات الإسرائيلية؟ هناك ثلاثة عوامل/ جواذب:

أولها خارجي يتجسد في رصيد “إسرائيل” الثمين في العلاقات مع الولايات المتحدة. فمن يريد جسرا (ثم تطورا) لعلاقته مع الدولة العظمى (خاصة في سنوات “العهد الأمريكي” عالميا منذ سقوط الاتحاد السوفييتي) يذهب إلى “إسرائيل” طالبا عونها. فاللوبي الصهيوني في الولايات المتحدة الأمريكية يتمثل أساسا بمنظمة “إيباك” (اللجنة الأمريكية الإسرائيلية للشؤون العامة) باعتبارها أهم جماعة ضغط على الساحة الأمريكية. ويعتبر مؤتمرها السنوي من أكبر التجمعات السياسية في واشنطن حيث يحضره قادة إسرائيليون مع قيادات في الكونغرس وعموم البيت الأبيض والإدارة الأمريكية، ويحرصون على خطب ود (إيباك)، الذي ثبت تأثيره في حملات الترشيح للانتخابات الأمريكية الرئاسية منها والتشريعية، بل وعلى مجمل السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط. وتعتبر إسرائيل من العوامل الهامة المؤثرة في السياسة الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط، التي لا يختلف الحزبان الرئيسيان الأمريكيان “الجمهوري” و”الديموقراطي” في اعتبارها حليفا استراتيجيا، وأن العلاقات معها تعزز الوجود الأمريكي في الشرق الأوسط. أما العاملان الجاذبان الآخران فداخليان… أي من “إسرائيل” ذاتها.

يتجسد العامل/ الجاذب الثاني في حقيقة نجاح وتفوق الدولة الصهيونية في مجالات عدة على رأسها التكنولوجيا الطبية والزراعة وتقنيات تصفية المياه والتنمية والأمن والتدريب العسكري، وهي مجالات تطمح الدول المختلفة إلى تلقي الدعم الإسرائيلي فيها. فإسرائيل، بالعرف اليوم، وبحكم الدعم الأمريكي المتواصل، “دولة ناجحة” لديها قوة واقتصاد وتطور علمي وتكنولوجي، حيث تنفق أكثر من 4.4% وبواقع حوالي 10 مليار دولار من دخلها القومي للبحث العلمي التطبيقي وتُعد الدولة الأكثر إنفاقاً على مستوى العالم. وعليه، تكنولوجيتها اليوم في المصاف الأولى عالميا.

أما العامل الثالث فيتجلى بواقع أن “لإسرائيل” مشروعا كاملا يتضمن أجندة واضحة ممأسسة وشاملة لاستهداف دول العالم كسبا لودها وللعلاقات معها. وهذا مرده رغبة إسرائيلية في تثبيت وجودها وتحطيم ما تسميه “الحصار السياسي – الاقتصادي العربي”. ولقد ساعد في ذلك ضعف العالم العربي متواكبا مع دبلوماسية إسرائيلية نشطة، بل ورغبة منها في إخراج نفسها من العزلة السياسية التي أنجزتها الدبلوماسية العربية والمسلمة في الماضي وأيضا فرضتها إسرائيل على نفسها على مدى فترة طويلة جدا حين ركزت فقط على مناطق مريحة لها تضمنت أساسا الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا.

نجاحات إسرائيل، في ظل غياب تام لأجندة عربية، تعني أنها ستكون على حساب القضية الفلسطينية، مع تواصل التوغل الإسرائيلي في إفريقيا وجنوب شرق آسيا وأمريكا اللاتينية، بل في ظل تطبيع رسمي عربي متسارع مع إسرائيل.

Dr.asad

كاتب وباحث عربي، ومحلل سياسي مختص في القضايا الفلسطينية وشؤون الصراع العربي الإسرائيلي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى