قراءة ذاتية في الانتخابات الأميركية

طوال تاريخها، لم تشهد الولايات المتحدة الأميركية انتخابات رئاسية كتلك التي تتواصل تبعاتها بين الرئيس الديموقراطي الفائز (جو بايدن) والرئيس الجمهوري المنتهي (دونالد ترامب). فبعد أربع سنوات قضاها الأخير في البيت الأبيض، ربما حان وقت نهاية الحرب التي شنها (ترامب) على الحقيقة في بقاع الأرض قاطبة.

في قراءة ذاتية مني لهذه الانتخابات، أسجل أفكاري وعواطفي فيما يلي:

(1) لا يسعني إلا أن أعبر عن سعادتي الخاصة بسقوط (ترامب) وذلك لسببين، أولهما يخصه كـ “إنسان”. فصفاته السيئة تجعل المرء يتقزز ويستغرب أصلا كيف يمكن لمثله أن ينجح في انتخابات الدولة العظمى في عالم اليوم. وثانيهما، وهو الأهم، أثر (ترامب) الكارثي على قضيتنا الفلسطينية والهدايا العديدة التي قدمها (على حسابنا) لدولة الاحتلال في سياق صفقة القرن وغيرها دون أن يعني ذلك أن الرئيس الجديد (بايدن) سيكون أفضل للقضية الفلسطينية، لكنه بالتأكيد أقل سوءا.

(2) العملية الانتخابية التي جرت باستطالة غير معهودة ولا مسبوقة بانتظار لحظة الحسم بحيث تم تدريجيا “تبليع” الناس جميعا وخاصة أتباع (ترامب) بالنتيجة المؤلمة لهم، والتي لو جاءت بشكل سريع ومفاجئ لكان يمكن أن تفجر أعمال عنف وتمرد كما تنبأت بذلك عديد وكالات الأنباء الأميركية وكما (ترامب) نفسه هدد بذلك. فعملية التبليع هذه مع استطالة الوقت خففت من وقع الزلزال وبالتالي ارتداداته.

(3) ومما زاد في سعادتي الذاتية أن (ترامب) أثبت أنه رجل لا يعرف كيف يتقبل الخسارة والهزيمة، وبدأ – من سوء كذبه على نفسه – يعيش حالة إنكار فاقمت من ردود أفعاله التي نالت الاستهجان حتى من حزبه الجمهوري، جعلت السيناتور (ميت رومني) المرشح الجمهوري للانتخابات الرئاسية في 2012 يوبخ (ترامب) لادعائه بأن الانتخابات تتم سرقتها، قائلا: “هذا يضر بقضية الحرية هنا وحول العالم ويشعل بتهور مشاعر مدمِرة وخطيرة”، تبعه 30 عضوا جمهوريا سابقا في الكونجرس دعوا (ترامب) لقبول نتائج الانتخابات والتوقف عما وصفوها “بمزاعم لا أساس لها”… والحبل على الجرار.

(4) الحصانة الرئاسية ترفع عن الرئيس بمجرد مغادرته للبيت الأبيض، وهو أمر ستكون له انعاكاسات كبيرة بالنظر إلى تحقيقات يقودها المدعي العام في نيويورك في سلوكيات جنائية داخل مؤسسات (ترامب) أهمها منع الرئيس الوصول إلى إقرارات سنوات من عوائده الضريبية الشخصية وتلك الخاصة بشركاته خلافا لجميع أسلافه الذين تعاقبوا على البيت الأبيض، علاوة على مقارفات فساد إضافية، وكذلك تحرشاته الجنسية. عندها، بعد رفع الحصانة، ربما “يتهزأ” أكثر بأن يصدر عليه حكم بالإدانة والسجن، ثم يعفى عنه لاحقا، وهذا فيه مزيد من الإذلال له… وهو حال يسعدني.

الأمر ربما لا يكون (ثأرا) شخصيا، ولكن ما اقترفت يدا الرئيس المنتهي (ترامب) من إساءات ليس للقضية الفلسطينية فحسب بل لعديد القضايا الإنسانية والعادلة في العالم، يجعل المرء يشعر براحة لما حل وسيحل به، بدء من الحلفاء (الاتحاد الأوروبي) والجيران (كندا والمكسيك)، مرورا بالأعداء (برأيه) الصين وروسيا وإيران ومنظمات الأمم المتحدة. والحال كذلك، ستتناقص فرص ترشحه للانتخابات بعد أربع سنوات، الأمر الذي فيه خير للشعب الأميركي وللعالم.

Dr.asad

كاتب وباحث عربي، ومحلل سياسي مختص في القضايا الفلسطينية وشؤون الصراع العربي الإسرائيلي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى