العولمة” في عالم متغير

طوال العقود الماضية، تم التبشير بأن “العولمة” ستؤدي إلى جعل العالم قرية إلكترونية صغيرة تترابط أجزاؤها عن طريق الأقمار الصناعية والاتصالات الفضائية والقنوات التلفزيونية، وستؤدي إلى ظهور نظام عالمي ذي أركان أربعة: المنافسة الكبيرة بين القوى العالمية العظمى، وانتشار عولمة الإنتاج وتبادل السلع، والابتكار والإبداع التكنولوجي، والتحديث المستمر. ورغم تعدد مجالات “العولمة” (اقتصادية، سياسية، ثقافية، إعلامية)، إلا إن مفهومها بات مرتبطا أكثر بالاقتصاد. وبحسب صندوق النقد الدولي: “العولمة هي التعاون الاقتصادي المُتنامي لدول العالم أجمعها، يوثقه زيادة حجم تبادل السلع والخدمات وتنوعها عبر الحدود، بالإضافة إلى زيادة تدفق رؤوس الأموال بين الدول، وانتشار التكنولوجيا في مختلف أنحاء العالم”.

منذ ما قبل جائحة كورونا، بدا أن العالم يبتعد عن “العولمة” وهو تطور رسخته ظهور القوميات الوطنية بطروحاتها الضيقة، مع لجوء دول عديدة إلى سياسات الحماية الاقتصادية، فزادت شعبية الحركات السياسية المعادية “للعولمة” ما أدى الى بروز مخاوف مشروعة همشت الفوائد الضخمة التي جلبتها “العولمة”. ونتيجة الجائحة، بحسب (خافير سولانا) وزير خارجية إسبانيا الأسبق الذي يرأس حاليا مركز “ايسادجيو – مركز للاقتصاد العالمي والشؤون الجيوسياسية” فإن “شح المواد الحيوية –من الكمامات الى الخميرة – قد سلط الضوء على محدودية المرونة والصلابة لسلاسل التوريد العالمية والتي تنتج الكثير مما نستخدمه وذلك بسبب تركزها الزائد عن الحد في بضعة دول ونقص المخزونات الأساسية. وبالإضافة الى ذلك، نتج عن العولمة العديد من الخاسرين ضمن الدول وخاصة في العالم المتقدم”.

أما بعد الجائحة فقد ازدادت حدة وتيرة الحروب الاقتصادية بين الدول الكبرى والعقوبات المتواصلة، سواء بين الولايات المتحدة والصين، أو الاتحاد الأوروبي وروسيا من خلال ساسة يتعاملون بشدة، مع من يفترض أن يكونوا شركاء مع بلدانهم في التجارة الخارجية، وذلك عبر إخضاعهم لتعريفات جمركية عقابية أو غيرها من قيود التجارة. وفي السياق، اعتبرت (كريستين لاغارد) مدير عام صندوق النقد الدولي السابقة أن: “تزايَد عدم المساواة في توزيع الثروة والدخل والفرص في كثير من البلدان أضاف إلى موجة السخط الكبيرة – وخاصة في العالم الصناعي – شعورا متناميا لدى البعض بأنهم “فاقدو السيطرة”، وبأن النظام أصبح معاديا لهم بصورة ما”.

لقد ضعفت قدرة بلدان العالم على السمو فوق المصالح الذاتية الضيقة، وسقطت مقولة (جون مينارد كينز) أحد المؤسسين الأوائل لصندوق النقد الدولي بإن “الأخوة الإنسانية أصبحت أكثر من مجرد شعار”. هنا، تبرز كلمات الملك الأردني عبد الله الثاني: “بدلاً من “تفكيك العولمة” الذي ينادي به البعض، لدينا الكثير لنستفيده من “إعادة ضبط العولمة”. علينا التركيز على تطبيقها على النحو الصحيح، لنصل إلى التكامل في عالمنا من جديد، بحيث يكون هدفنا المحوري هو تحقيق المنفعة لشعوبنا، وللتعاون الحقيقي فيما بيننا عوضاً عن التنافس، ولنعترف بأن بلداً واحداً بمفرده، لا يُمكن له أن ينجحَ، فإخفاقَ بلدٍ واحد هو إخفاقُنا جميعاً”.

Dr.asad

كاتب وباحث عربي، ومحلل سياسي مختص في القضايا الفلسطينية وشؤون الصراع العربي الإسرائيلي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى