ماذا تريد تركيا من العراق؟!!

في عام 1991، استفادت الدولة التركية من الفراغ الذي أحدثه الحظر الجوي الأمريكي في شمال العراق، ما سمح للجيش التركي بإنشاء سلطة محلية كردية مستقلة عن بغداد، وسمح كذلك بوضع يد الأتراك على معسكر “بعشيقة”، الذي يبعد 20 كيلومترا عن شرقي الموصل، والذي ما زال يشكل منطلقا للعمل العسكري التركي في الشمال العراقي، معززا نفوذ تركيا في المنطقة ضد حزب العمال الكردستاني، وهي الحجة التركية الأولى في تدخلاتها العسكرية في العراق. هذا، رغم تخوف العراقيين من تحول الوجود التركي “المؤقت”، بحسب القادة الأتراك، إلى تواجد “دائم” بحجة “العمال الكردستاني” الذي يتمركز في جبال القنديل.

تركيا – كغيرها – دولة تسعى وراء مصالحها ولها أطماع في العراق تعود إلى قرون طويلة. والعراق، من أوائل الدول التي اتضح فيها “المشروع التركي” في المنطقة، ذلك إن أنقرة، كطهران وتل أبيب، تريد أن تلعب دورا بارزاً في المنطقة، وتحاول استعادة مناطق كانت بحوزة العثمانيين، فوجدت في “العمال الكردستاني” المدخل لتدخل من شمال العراق بذريعة ضرب مواقعه، ومنع إعلان دولة كردية منفصلة في إقليم كردستان تمتد من إيران للعراق إلى سوريا إلى جنوب تركيا. ومعروف إن تركيا تريد توسعة نفوذها في المنطقة، باعتبارها دولة إقليمية كبرى، ولها تاريخ كبير. ولا ننسى أن لتركيا أطماعا قديمة في مدينة الموصل لا تخفيها، وهي المدينة التي احتلتها على مدار أربعة قرون، والتي حرمتها منها معاهدة لوزان.

ترى تركيا أن حدودها المشتركة مع العراق (331 كيلومتراً تتمثل في حدود محافظة أربيل ودهوك الكرديتين التابعتين لإقليم كردستان، ومحافظة نينوى العربية) يجعلها مؤهلة أكثر من غيرها لفرض وجودها على المشهد السياسي في العراق. وفي هذا السياق، تجلت التدخلات التركية في العراق بصورة واضحة عندما واجهت أنقرة انتقادات حادة بعد نشر الرئاسة التركية خريطة مواقع انتشار جيشها في شمال العراق، حيث تظهر وجود 37 موقعا عسكريا تركيا ضمن حدود شمال شرق إقليم كردستان العراق، وبعمق يصل في بعض المناطق إلى 40 كيلومترا داخل الأراضي العراقية. هذا، فضلا عن حزام عسكري أقامه الجيش التركي على طول شمال العراق، بعمق بين عشرين وأربعين كيلومترا. وتظهر الخريطة نشر تركيا وحدات عسكرية بالقرب من عاصمة الإقليم أربيل، وكذلك بالقرب من مدن زاخو ودهوك وبعشيقة.

ولقد أثارت الخريطة انتقادات حادة. فهي تتناقض مع الطرح التركي المعلن الذي يؤكد على وحدة الأراضي العراقية. ومن جهتهم، يرى مراقبون عراقيون إن نشر الخريطة خطوة تمهيدية تسعى تركيا من ورائها لتثبيت قواعدها العسكرية هناك، على غرار ما حدث في إدلب السورية، التي سبق وأن نشرت تركيا أيضا خريطة مواقعها العسكرية بها، وأيضا بذريعة مواجهة الأكراد وهي الذريعة المتكررة دوما وأبدا.