محاولات أميركا لاحتواء الصين

مع أنه سبق للولايات المتحدة الأمريكية معرفة ظروف مشابهة لما يحدث اليوم من حراك ضد العنصرية المتفشية (المسألة الأكثر عرضة للتفجر في المجتمع الأمريكي على الدوام)، فإنها تمر، هذه المرة بأزمة أكبر. فقد جاء هذا الحراك في ظل نظام صحي يتهاوى سريعا بسبب جائحة كورونا، وركود اقتصادي تبعاته باتت ترعب الخبراء الأمريكيين، فضلا عن انقسام حاد داخل المجتمع السياسي الأمريكي.

هذا الواقع، أصاب العلاقات الأمريكية الخارجية بأضرار غير مسبوقة، وبالذات مع الصين، الدولة الأبرز المنافسة للولايات المتحدة ما دفع هذه الأخيرة للتدخل وسحب مناقصات من الصين مثل بناء محطة لتحلية مياه البحر في “إسرائيل”، أو منع شركات صينية تشغيل التكنولوجيا الخليوية للجيل الخامس في “إسرائيل”، بل تعداه لضغوط أمريكية على “إسرائيل” في مجال العلاقات الأكاديمية. فبحسب وكالة “بلومبيرغ” الأمريكية فإن “المشاريع الأكاديمية ذات الصلة بالتطوير والبحث الأكاديمي تحت مراقبة الولايات المتحدة”، وبالذات مع تصاعد، ما وصفته “الوكالة”، بـ”الجهود للقضاء على التجسس الاقتصادي في المؤسسات الأكاديمية الأمريكية وتجنيد الناس لتمرير البحوث العلمية إلى الحكومة الصينية”.

ولأن الصين هي ثاني أكبر شريك تجاري “لإسرائيل” بتبادل تجاري يصل قرابة 12 مليار دولار سنويا، بحسب “بلومبيرغ”، أصبح دورها في الاقتصاد الإسرائيلي، منذ نحو عامين، تحت رقابة أمريكية، خصوصًا في المنشآت الإستراتيجية، مثل ميناء حيفا، الذي تقوم شركات صينية بتوسعته، وتزوره سفن حربية أمريكية باستمرار، فيما قدر رجال أعمال إسرائيليون الاستثمارات الصينية في إسرائيل بأكثر من أربعين مليار شيكل، حسبما نقلت عنهم صحيفة “معاريف”، نهاية 2019. كما أكدت الصحيفة: “الاستخبارات الصينية حاولت سابقًا، عدة مرات، التجسس في إسرائيل بهدف الحصول على معلومات علمية تكنولوجية واستغلال إسرائيل كمنصة لاختراق استخباراتي للولايات المتحدة الأمريكية ودول غربية أخرى”، كاشفة إن “الصين اخترقت مواقع لشركتي “الصناعات الجوية” و”رفائيل” العسكريتين الإسرائيليتين وسرقت معلومات من هناك، كما حاولت بناء سفارتها في البلاد قرب مقر الموساد”.

يعتقد (والتر راسل ميد) الصحافي الأمريكي المحافظ في مجلة “وول ستريت جورنال” بأن: “الصين تنجح في استغلال مصاعب ترامب. تنتهج خطاً متشدداً ضد هونغ كونغ، وتهدد باستخدام القوة ضد تايوان وتشعل نزاعاً حدودياً قديماً مع الهند. القيادة الصينية وصلت إلى خلاصة هي أنه لا يمكن استرضاء ترامب، لكن يجب عدم الخوف منه”. كذلك، رأى مستشار الأمن القومي الأمريكي السابق (الجنرال هربرت مكماستر) أن “الصين ستواصل الدمج بين العدوانية الاقتصادية والتجسس الدولي، وخصوصاً التكنولوجي، سعياً للسيطرة على الاقتصاد العالمي: ستحاول الاستيلاء على ثروات استراتيجية، مثل الموانئ في إسرائيل، وفي ظل غياب منافسة مضادة من الولايات المتحدة وأوروبا، ستصبح الصين أكثر عدائية”. وفي جوابه على ما العمل حيال هذا التهديد؟ قال (مكماستر): “يجب تحويل ما تعتبره الصين ضعفنا الأكبر – الديمقراطية، سلطة القانون، الصحافة الحرة وحرية التعبير – إلى قوة. وإذا لم تصطدم الولايات المتحدة بالصين في جملة من القضايا، فلن يردع الصين شيء عن توسيع نشاطها وتأثيرها الدوليين”. وواضح إن المواجهة بين القطبين الكبيرين لا تزال مستمرة في منطقتنا وبقاع عدة على امتداد العالم.