لماذا يتفشى فيروس كورونا بين الحريديم الإسرائيليين؟!
يثير اليهود المتدينون “الحريديم” الجدل في المجتمع الإسرائيلي، ليس لرفضهم التجنيد الإجباري هذه المرة، بل لأنهم تصدروا المشهد حين تسببوا بوقوع أزمة كبيرة نتيجة اعتقاداتهم الدينية التي تؤدي إلى إفشال مكافحة فيروس كورونا المستجد برفضهم الإلتزام بالتعليمات الصحية الأمر الذي حول المدن التي يسكنونها إلى بؤر للفيروس، ما أجبر الحكومة الإسرائيلية – قبل ثلاثة أيام – على اتخاذ إجراءات مشددة في الأحياء التي يعيشون فيها. ورغم أن عديد “الحريديم” اقتنعوا مؤخرا بالتهديد الذي يمثله الفيروس، رب سائل يسأل ما هي الأسباب التي أدت إلى تحول المدن المتطرفة التي يعيشون فيها إلى بؤر للوباء؟ أما مركز الجواب عن هذا السؤال فيكمن:
أولا: بالإصرار على تعاليم دينية صارمة مثل تأدية الصلاة جماعة، وإقامة حفلات الزواج، ويكفي أن وزير الصحة “الحاخام الحريدي” (يعقوب ليتسمان) القائل: “فيروس كورونا هو عقاب ضد المخانيث” أصيب وزوجته بالفيروس بعد مخالفته كل تعليمات الطوارئ الاحترازية التي كانت وزارته مسؤولة عنها وتقود تنفيذها. وهذا النوع من التدين يقود إلى الجهل. وفي هذا النطاق، تقول الكاتبة الإسرائيلية (جيسكا أبل): “إن السكان الذين لا يعرفون أي علم ليسوا مؤهلين لفهم خطر الفيروس. والشخص الذي لم يتعلم أبداً الرياضيات الأساسية لا يمكن توقعه لفهم الرسوم البيانية التي توضح تصاعد عدد الإصابات”. وأضافت: “عندما يُقال للسكان الذين يعتبرون قادتهم الدينيين معصومين من الخطأ وأن التوراة ستحميهم وأن مبادئ تطبيق القانون العلمانية نازية ومعادية للسامية، سيكون من السهل عليهم عدم الامتثال للأوامر والاستهانة بخطر الفيروس”. وفي تقرير نشرته صحيفة “هآرتس” للكاتب الإسرائيلي (آرون رابينوفيتش)، استخلص: “بما أن إسرائيل تعتمد على التكنولوجيا بالدرجة الأولى في مكافحة انتشار المرض، والهواتف الذكية التي من شأنها مساعدة السلطات في تحديد أماكن المصابين بالفيروس وتجنبهم، تواجه وزارة الصحة صعوبة في تحديد الحالات المحتملة للفيروس التي تتطلب العزل في المدن المتطرفة، نظرا لمعتقداتهم الدينية حول استخدام الهواتف الذكية، ووصول الأمر إلى تحريمها”.
ثانيا: الاكتظاظ السكاني وصعوبة التباعد الاجتماعي، إذ قد يصل عدد الأطفال في العائلة الصغيرة إلى 10 أو أكثر، وهو أمر يضعف فعالية الحجر المنزلي وقد يضاعف من عدد الإصابات بالفيروس. كذلك، فإن طبيعة هذا الجمهور ترفض الإندماج بالمجتمع الإسرائيلي ويميلون إلى العيش ضمن مجتمعات منغلقة، ووأساسا بأحياء في القدس المحتلة ومدينة “بني براك” وبعض المستعمرات/ “المستوطنات” الأخرى. وهؤلاء يقيمون طقوسهم الدينية ويعيشوا حيواتهم اليومية وفق التفاصيل الدقيقة للشريعة اليهودية، ويعارضون بشدة إحداث أي تغيير فيها.
ثالثا: الفقر، حيث بحسب الإحصاءات الإسرائيلية، تعيش أكثر من نصف جماعات “الحريديم” تحت خط الفقر كون منظومة التعليم الحريدية تتبنى تعاليم دينية صارمة لا توجه أفرادها إلى الانفتاح على المهن التي يتطلبها سوق العمل. كما أن كبر العائلة الحريدية، مقارنة بالعائلة اليهودية العادية، يصعب مهمة المعيل الوحيد الذي غالبا ما يكون المرأة لأن الرجال يذهبون للمدارس الدينية! وبحسب “المركز الإسرائيلي للديموقراطية” مثلا في مجال التعليم: “تُقدر نسبة الحاصلين على شهادة توجيهي بـ 12% فقط من المجتمع الحريدي، مقابل 77% من الإسرائيليين التقليديين، بالمقابل ينضمّ غالبية الحريديم الذكور إلى الحلقات التعليمية الدينية، كما أن 70% من الأشخاص الذين توجهوا إلى التعليم العالي كانوا من النساء اللواتي يدرسن الطب وغيره بهدف العمل داخل المجتمع الحريدي”.
ثمة تخوف سابق لوباء كورونا لطالما ناقشه باحثو مستقبل “إسرائيل” خاصة في ضوء الزيادة الطبيعية لهذه المجموعة. فبحسب معطيات “دائرة الإحصاء المركزية الإسرائيلية”: “في العام 2065، يتوقع أن تصل نسبة “الحريديم” إلى 32% من السكان (مقابل 12% اليوم)”. في السياق، قال (سيرجيو ديلا فيرغولا) البروفيسور في الجامعة العبرية بالقدس والخبير الديمغرافي الإسرائيلي: “هذه القضية معقدة، سكان إسرائيل ليست مجموعة متجانسة. إنها مؤلفة من مجموعات مختلفة، ذات ملامح ثقافية وديمغرافية متنوعة ومعدلات نمو مختلفة… وتدل التوقعات الجديدة أن قسما آخذا بالتزايد من السكان اليهود يعكس النمو الأكثر تسارعا لفئة الحريديم. وسترتفع نسبة هؤلاء بين السكان اليهود من 14% في العام 2015 إلى 28% في العام 2045 و40% في العام 2065”. وختم بالقول: “سيسمح الوزن المتزايد للحريديم بالحفاظ على التوازن الديمغرافي الحالي، لكنه سيطرح أسئلة أخرى: هل سيتمكنون من الاندماج بشكل أفضل في المجتمع والاقتصاد وتحسين مستوى حياتهم بواسطة تحصيل استقرار أكبر وتراجع الفقر وتعلقهم بالمخصصات الحكومية؟ وهل سيقود ذلك إلى تقلص العائلات الحريدية؟ الأمر المؤكد هو أن مفتاح المستقبل الديمغرافي لإسرائيل موجود بأيدي الحريديم”.