يوم الأرض: الحدث المؤسس

مع قيام “دولة إسرائيل” على أراضي فلسطين 1948، نظرت الأغلبية اليهودية إلى الجماهير الفلسطينية العربية باعتبارها جمهوراً مشكوكاً في ولائه: فهو “قنبلة موقوتة” و”طابور خامس” و”خطر استراتيجي” و”غير مخلص ولا موالي للدولة”، صادرت أرضه وقمعته وحرضت ضده عنصريا وألغت منهاجه التعليمي، وأصدرت “فتاوى” دينية مؤداها تحليل هدر دمه، مع تصاعد لاحق في إصدار قوانين عنصرية فاشية تدريجية ضاغطة هدفها إجبار الفلسطينيين على مغادرة بلادهم: “قانون القومية” و”المواطنة مقابل الولاء” و”قانون النكبة”، وغيرها الكثير.

شعوب كثيرة خاضت أشكال نضال متعددة في كفاحها ضد الاستعمار، معتمدة على شكل/ أشكال النضال الأمثل تبعا للظروف والعوامل التي يعيشها شعب دون آخر.  وكان يوم الأرض في 30/3/1976، اللحظة المفصلية التي أدركت فيها الحكومات الإسرائيلية أن مسيرة نضال الجماهير الفلسطينية العربية  ستتواصل وأن “دولة إسرائيل” بممارستها مخططات التطهير العرقي لن تنجح في إجبارهم على القبول والاعتراف بالكيان الصهيوني العدواني التوسعي العنصري، “دولة قومية للشعب اليهودي”.

منذ يوم الأرض الأول، تكرس التحول السياسي في مسيرة نضالية طويلة تقطف ثمارها اليوم الجماهير الفلسطينية العربية في “إسرائيل”، مدركين أنهم يواجهون مجتمعا صهيونيا منزاحا نحو أقصى اليمين المتطرف، الأمر الذي أفرز أكثر الحكومات تطرفا في تاريخ إسرائيل، والتي عززت من قمعها لهم. فبدأ العمل الجمعي الفلسطيني وتراكم وعي وطني واجتماعي جعلهم قادرين على الانتقال من مرحلة الدفاع عن البقاء في طورها الأول الى مرحلة المواجهة والنضال لاستعادة الحق. ومن هنا بدأت الدولة ا لصهيونية تتحدث عن الخطر الديموغرافي باعتباره تهديدا وجوديا لإسرائيل.

ربما يكون من أهم نجاحات فلسطينيي 48 في الانتخابات الأخيرة تحقيقهم توافقا وطنيا يرتكز على الاقتناع بأهمية وتأثير مقاومتهم، ما يؤشر على تطور في الوعي والنضج السياسي حيث كانوا في الماضي يركزون على وقف سياسة مصادرة الأرض وهدم البيوت، بالتوازي مع مساعيهم للعيش بمساواة باعتبارهم مواطنين أصلاء وليسوا درجة ثانية، مع السعي الدؤوب لإعادة حقوقهم المسلوبة.  والتطور الجديد يتمثل في أنهم، مؤخرا، باتوا يولون اهتماما واسعا لتعزيز دورهم السياسي علاوة على تعزيز نضالهم في القضايا الخدماتية ومستوى المعيشة (التربية والتعليم، العمل، الصحة والرفاه… الخ).

نحن اليوم أمام أقلية فلسطينية عربية قوية سياسيا في “إسرائيل” تستطيع أن تقول روايتها ورؤيتها وتوضح أنها ليست جزءا من الرواية الإسرائيلية وهذا مهم جدا على الصعيدين المحلي والدولي، دون أن ننسى أن مسألة التمسك في النضال الحقوقي المدني لدى فلسطينيي 48 لا تلغي نضالهم الحقيقي والشامل بوصفهم جزءا  من الصراع الفلسطيني الإسرائيلي الأصلي.  ومن أبرز الشواهد على ذلك إطلاقهم  يوم الأرض في العام 1976 وفي كل عام تلاه، وجعلهم ذلك اليوم “الحدث المؤسس” وفقا للتعبير الدقيق الذي صاغه الصديق المناضل (أمير مخول) .