“خطر جديد” على إسرائيل؟
يواصل الرئيس الأمريكي (دونالد ترامب) محاولاته المتكررة لكسب أصوات الناخبين اليهود الأمريكيين المهمين له سياسيا في الانتخابات الرئاسية المقبلة، ويكرر على الملأ أنه “لم يكن لدى الدولة اليهودية في أي يوم صديق أفضل في البيت الأبيض من دونالد ترامب”، وأنه أكثر رئيس أمريكي يحب “إسرائيل”. وبالفعل، منذ توليه الرئاسة، نجح (ترامب) في تغيير سياسة الولايات المتحدة الأمريكية شرق الأوسطية لصالح “إسرائيل”، معترفا بالقدس عاصمة لها ونقل السفارة الأمريكية إليها من تل أبيب، كما صادق على السيادة الإسرائيلية على الجولان السوري المحتل، ووافق على ضم “إسرائيل” لغور الأردن وجميع المستعمرات/ “المستوطنات” التي بنيت منذ عام 1967 في الضفة الغربية. وفي كل ذلك، يسعى الرئيس الأمريكي جاهداً لتكرار استراتيجيته في الانتخابات الرئاسية 2016 لكسب تأييد اليهود الأمريكيين في انتخابات العام الحالي حيث يسعى للفوز عبر تراكم أصوات المجمعات الانتخابية الداعمة له في الولايات الرئيسية، مثل لوبي السلاح “الاتحاد القومي الأمريكي للأسلحة” المعروف باسم (NRA)، واليهود والمسيحيون الإفنجليكيون على رأسهم. ورغم، تكرار (ترامب) أنه أفضل صديق أمريكي “لإسرائيل”، وهي النقطة التي يوافقه عليها رئيس الوزراء الإسرائيلي (بنيامين نتنياهو)، إلا أن عديد المحللين الأمريكيين والإسرائيليين يرون خلاف ذلك، بل منهم من اعتبر أن (ترامب) أحد أخطر أعداء “إسرائيل”. إذن، ها نحن أمام “خطر جديد” على الدولة الصهيونية.
معلق الشؤون الدولية في صحيفة “واشنطن بوست” الأمريكية (جاكسون ديل) كتب يقول: “مع تمزيق ترامب الالتزام الكبير الثاني للرؤساء تجاه “إسرائيل”، وهو ضمان بقاء الدعم الأمريكي للدولة اليهودية قوياً ومن كلا الحزبين، فإن احتضانه الشديد لنتنياهو وجدول أعماله القائم على “الضم” قد عزله عن أكثر الديمقراطيين المؤيدين لـ”إسرائيل”. لقد ضمن ترامب عمليا جعل أي ديمقراطي سيخلفه في الرئاسة يتصادم مع “إسرائيل” سواء أكان زعيمها نتنياهو أو من يخلفه في السلطة. لا شك أن ذلك متعمد: فهذه الخدمات المقدمة لإسرائيل تهدف إلى مساعدة إعادة انتخاب ترامب من خلال حشد المسيحيين الإنجيليين وإحداث انقسام لدى الديمقراطيين. ولا يهم إذا كان ذلك سيضعف دعم الولايات المتحدة طويل المدى لـ”إسرائيل” أكثر مما يقويه”. ويختم: “قد تمر سنوات قبل أن تظهر الحقيقة المحتملة وهي: أن ترامب ألحق أضراراً بـ”إسرائيل” أكثر من أي رئيس أمريكي قبله”.
موقع مجلة “فورين بوليسي” نشر مقالا مشتركا لكل من الأستاذ في (معهد ميدلبري للدراسات الدولية) في كاليفورنيا (أفنير كوهين) والمسؤول السابق في مكافحة الإرهاب في الخارجية الأمريكية، مع الباحث في معهد “ميدلبري” (جيسون بلازاكيس)، قالا فيه إن “العلاقة الفاسدة بين ترامب ونتنياهو تمثل تهديدا على بلديهما”. وأضاف الكاتبان “عواقب هذا التحالف الفاسد بين ترامب ونتنياهو تتجاوز الاحتياجات الشخصية والسياسية الحالية للزعيمين إذ تشكل إرثاً مدمراً للولايات المتحدة وكذلك للإسرائيليين والفلسطينيين على حد سواء. وبالنسبة إلى الولايات المتحدة، سوف تؤدي إلى تدهور السمعة الأمريكية في الشرق الأوسط (كوسيط نزيه). فعدم عدالة خطة ترامب للسلام هو تأييد واضح للمشروع الاستيطاني لليمين الإسرائيلي المتطرف الشبيه بنظام الفصل العنصري وإضفاء للشرعية عليه بختم أمريكي”. وختما: “محور ترامب-نتنياهو قد يؤدي أو لا يؤدي إلى نجاح انتخابي لهما، لكنه بلا شك يترك كلاً من إسرائيل والولايات المتحدة أقل أماناً”. وكان (جو بايدن) أحد مرشحي الرئاسة للانتخابات التمهيدية ونائب الرئيس الأمريكي السابق (باراك أوباما) قد أعلن: “لا يمكن اتخاذ قرارات أحادية الجانب بضم أراض محتلة والعودة بنا إلى الوراء. لقد أمضيت حياتي أعمل على توفير الأمن والرخاء للدولة اليهودية كي تحيا كدولة ديمقراطية. وما يقوم به ترامب ليس جيدا لإسرائيل”. كما أدان (107) نواب ديمقراطيين بالكونغرس الأمريكي خطة (ترامب)، وحذروا من أن “الخطة تهدد بتجدد العنف في إسرائيل والأراضي المحتلة، كما تهدد أيضا معاهدتي السلام بين إسرائيل وكل من الأردن ومصر. واعتبر النواب الديمقراطيون أن المخطط “يمهد الطريق لاحتلال دائم للضفة الغربية، وسيؤذي الفلسطينيين والإسرائيليين على حد سواء”.
ومثل هذه الاستنتاجات، خلص إليها إسرائيليون بارزون: فمثلا، قال (شمعون شباص) مدير عام سابق لمكتب رئيس الحكومة (إسحاق رابين)،: “التداعيات صعبة على الطريق. صفقة القرن هي اتفاق بين إسرائيل والولايات المتحدة وليست اتفاقاً بين إسرائيل والفلسطينيين والدول العربية. النقاشات بشأن تسوية أو صفقة لا يمكن أن تجري من طرف واحد، لأنها ستؤدي إلى خطوات من طرف واحد، ومن هناك إلى الفوضى”. وأضاف: “نحن نتوجه نحو تصعيد، وبعده نحو ضم ثلاثة ملايين فلسطيني آخرين يعيشون في الضفة الغربية، سيكونون مواطنين في دولة ثنائية القومية، والمقصود هو نهاية الدولة اليهودية الديمقراطية وبداية دولة الأبرتهايد”. من جانبها، استخلصت مراسلة صحيفة “يديعوت أحرونوت” (أورلي أزولاي): “ترامب ليس الرئيس الأفضل الذي عرفته إسرائيل، إنه سيء لإسرائيل. وهذه ليست مفاجأة… في النتيجة هو ألحق ضررا بإسرائيل”. وعلى نحو لافت، وفي مقال كاشف، أوضح الكاتب الجريء (جدعون ليفي) كيف “أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أحد الأعداء الأكثر خطورة لإسرائيل، فهو يفعل كل ما في استطاعته لإفسادها ويجعل العالم المتنور يكرهها بشكل أكثر. من الصعب التفكير بنكتة أكثر مرارة من (إعلان) الولايات المتحدة الذي اعتبر الاغتصاب لا يخرق القانون، وأصبح الطريق ممهدا له. هل سيتحول الاغتصاب إلى أمر أكثر قانونية وأكثر أخلاقية؟ بالتأكيد لا. أيضا هكذا المستوطنات لن تصبح كذلك. لا يوجد أي رجل قانون دولي مهم يوافق على (إعلان) الولايات المتحدة. حتى الآن أيضا لا يوجد أي سياسي في العالم، باستثناء اليمينيين في اسرائيل وفي الولايات المتحدة، سيوافق على هذا الإعلان. الحميمية الفكرية بين إدارة ترامب وإسرائيل هي أمر آخر يجب علينا الخجل منه”.