القيصر الجديد (دونالد ترامب)
منذ أصبح (دونالد ترامب) رئيسا في تشرين ثاني/ نوفمبر 2016 وهو يقدم للدولة الصهيونية سلسلة قرارات “تاريخية” تمس القضية الفلسطينية بل والعربية، أبرزها اعتراف إدارته بالقدس المحتلة عاصمة لـ”إسرائيل”، ونقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس المحتلة، والموافقة على ضم “إسرائيل” للمرتفعات السورية، وآخرها ما اخترت شخصيا تسميته “سرقة العصر” التي – زورا – أسماها الإعلام “الترامبي” “صفقة القرن”.
(ترامب)، وعلى خطى وزير الخارجية البريطاني (آرثر بلفور) الذي أعطى ما لا يملك لمن لا يستحق، يظهر كما القيصر الذي يوزع عطاياه على الفقراء، فيقرر منح إحدى أعطياته الجديدة (فلسطين) هبة لأحد ولاته المؤتمنين (بنيامين نتنياهو)! لكن هذا القيصر مطعون في شخصه وأخلاقه حتى أمريكيا. ومثلا، تساءل المعلق اليهودي الصهيوني المعروف (توماس فريدمان) في “نيويورك تايمز” قائلا: “هل أصبح ترامب رجل نتنياهو الأحمق؟ الرئيس الأمريكي بات يعطي هدايا بدون شروط أو طلب التزامات من إسرائيل”. وأضاف: “هل هذه الخطة عن حل الدولتين، أم أنها عن رجلين، أو أنها حرف للأنظار عن قائدين قذرين؟… وترامب ونتنياهو، كلاهما، بحاجة ماسة لتغيير الموضوع (عن فسادهما ومحاكمتهما) بين أنصارهما المتطرفين في إسرائيل والإنجيليين في الولايات المتحدة”. بل إن الصحيفة الأمريكية الشهيرة، ذاتها، اعتبرت الصفقة المزعومة “محاولة ساخرة لإرضاء القاعدة الشعبية لإعادة انتخاب (نتنياهو) و(ترامب) في بلديهما”. من جانبها، وصفت منظمة “بتسيلم” الحقوقية الاسرائيلية خطة (ترامب) بأنها ليست خطة للسلام بل “أبارتهايد” (فصل عنصري). وقالت: “إذا شبهنا صفقة القرن، بالجبنة السويسرية المتميزة بفراغاتها، يمكننا القول إن الرئيس ترامب يعرض تقديم الجبنة لإسرائيل وفراغاتها للفلسطينيين. الخطة الحالية لا يقبلها عقل، إنها تشرعن وتثبت بل وتعمق انتهاكات حقوق الإنسان التي ارتكبتها إسرائيل خلال السنوات الـ 52 الماضية”.
حقيقة الأمر أن (ترامب) تبنى تصورات (نتنياهو) بشأن الصراع الفلسطيني/ الإسرائيلي. وهذا حدث يشكل سابقة غريبة لا مثيل لها في السياسة، خاصة الأمريكية، عندما تتخلى قوة عظمى عن موقف رئيسي في سياستها الخارجية وتسمح لحليف صغير أن يملي عليها موقفه المتناقض مع القانون الدولي والشرعية الدولية. لماذا؟ يأتي الجواب، في مقال كاشف، بعنوان “دونالدوس ترامبوس قيصر يكافئ حاكم المقاطعة نتنياهو بصفقة القرن”، قال فيه الكاتب الإسرائيلي (كيمي شاليف): “خطة الرئيس تشير إلى أن ترامب يعتبر نفسه إمبراطوراً. فقد كان الأباطرة الرومان، ابتداءً من أوغسطس قيصر، يقومون بإقامة مقاطعات جديدة بشكل روتيني في المناطق التي غزاها جحافلهم ثم يعيدون رسم حدودهم كما تناسب أغراضهم. في كثير من الحالات، ورثوا الأراضي الجديدة للقناصل ورجال الدين الأكثر تفضيلاً”. ويفصل: “سيتم منح نتنياهو، مثل حكام روما في المقاطعات، سيطرة مطلقة على أراضي قيصر وكل ما عليه فعله في المقابل هو إظهار حبه والتعبير عن ولائه المطلق، خاصة الآن، في خضم إجراءات عزله”.