كابوس تزايد الهجرة المعاكسة من “إسرائيل”

تؤكد الإحصاءات الفلسطينية والإسرائيلية أنه مع نهاية العام الحالي 2020 يتوقع وصول عدد اليهود في فلسطين التاريخية إلى نحو 6.96 مليون يهودي مقابل 7.2 مليون عربي. هذا، وتعتبر الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة “الهجرة اليهودية المعاكسة” إشكالية وجودية باعتبار الدولة الصهيونية “دولة هجرة واستيطان استعماريين”، فلطالما كانت الهجرة اليهودية إلى فلسطين أساس مخطط الحركة الصهيونية لتقوية “الدولة اليهودية” ورفدها بالعلم.

ومع تغلغل التيار الديني اليهودي المتطرف وتحكمه في مسارات الحياة الإسرائيلية، تسقط اليوم مقولة الدولة “النموذجية” المتخيلة: “إسرائيل الواحة الديموقراطية في مستنقع عربي آسن”!!! وتتطرق الصحف الإسرائيلية لكثير من القضايا التي تؤكد تراجع الاهتمام “بإسرائيل” يهوديا، أحدثها ما بات يعرف مؤخرا بظاهرة المهاجرين الروس الذين يحصلون على جواز سفر إسرائيلي ويغادرون، وهي ظاهرة جديدة في “إسرائيل” تتمثل بوصول الكثيرين إلى “إسرائيل” كمهاجرين ممن يوصفون بمستحقي “قانون العودة”، الذي يسمح بهجرة اليهود من أنحاء العالم إلى “إسرائيل”، وبمجرد حصولهم على امتيازات تمنح لهذه الفئة، مثل جواز سفر إسرائيلي و”سلة استيعاب” تشمل إعفاءات ضريبية على كافة السلع، يغادرون بعد ذلك إلى موطنهم سواء في دول الاتحاد السوفيتي السابق وروسيا خصوصا، أو إلى دول أخرى، وغالبا سرعان ما يتخلون عن العيش في “إسرائيل”.

وبحسب تقرير، نشرته صحيفة “ماكور ريشون” الإسرائيلية اليمينية نهاية تشرين ثاني/ نوفمبر الماضي، فإن “أوساط الناطقين بالروسية في إسرائيل يتحدثون عن تجارة كاملة، حيث يصل هؤلاء إلى إسرائيل لفترة قصيرة، وأحيانا تكون ليوم واحد ومن دون مغادرة المطار، وبعد حصولهم على جواز السفر يصعدون إلى الطائرة ويغادرون إسرائيل”. وتؤكد الصحيفة: “طرأ تغيير كبير في هذه الظاهرة في أعقاب سن قانون جوازات السفر، في العام 2017. وبموجب هذا القانون، بإمكان المهاجرين الجدد إلى إسرائيل الحصول على جواز سفر خلال ثلاثة أشهر، بدلا من الانتظار سنة كاملة وفقا للقانون القديم”.

حسب معطيات وزارة الاستيعاب والهجرة الإسرائيلية، “هاجر إلى إسرائيل في السنوات الثلاث الأخيرة (59,563) شخصا من دول الاتحاد السوفييتي السابق، وحصل 86% منهم على الإعفاءات الضريبية والمنح المالية، و14% لم يستغلوا حقهم هذا. ويعني ذلك أن قرابة (8500) لا يعيشون في إسرائيل”. وقال مسؤول في “الوكالة اليهودية”: “هذه الظاهرة معروفة لدينا وعدد الذين أرادوا الحصول على جواز السفر الإسرائيلي وعدم البقاء فيها أعلى من المعطيات أعلاه. أقدر أن 25% ممن يهبطون هنا كمهاجرين من دول الاتحاد السوفييتي السابق، هاجروا من أجل جواز السفر وبعد الحصول عليه غادروا البلاد مباشرة”. وأضاف المسؤول: “بل إن قسما من هؤلاء الأشخاص يصلون إلى البلاد، يمكثون عدة أسابيع، ويحصلون على جزء من الامتيازات والمنح المالية ثم يغادرون. وهم لا يظهرون في إحصائيات الـ14%”. وعلى صعيد متمم، ووفقًا لمعطيات نشرتها وزارة الداخلية الإسرائيلية، بناءً على طلب من جمعية “حدوش” (حرية دينية ومساواة)، فإنه “ومنذ بداية العام 2012 وحتى نهاية تشرين أول 2019، وصل (179849) مهاجرًا إلى إسرائيل فقط (25375) منهم كانوا من اليهود. وفي المقابل، لا تعترف وزارة الداخلية الإسرائيلية، ولا الشريعة اليهودية كما تنص الحاخامية الرئيسية، بيهودية (154474) منهم، أي حوالي ستة أشخاص من بين كل سبعة”.

بالمقابل، تُقدم أعداد متزايدة من الإسرائيليين على تقديم طلبات للحصول على جواز السفر البرتغالي، بعدما أقرت البرتغال قانونا مطلع العام 2015، يقضي “بإمكان اليهود من جميع أنحاء العالم الحصول على الجنسية البرتغالية، في إطار تصحيح الغبن التاريخي بطرد يهود إسبانيا والبرتغال، إثر سقوط الدولة العربية في الأندلس، في نهاية القرن الـ15”. ويؤكد تقرير نشرته صحيفة “يديعوت أحرونوت”: “منذ نهاية نيسان/ إبريل الماضي، قدم 45,086 يهوديا من أنحاء العالم، بينهم 32,622 يهوديا من إسرائيل، ويشكلون نسبة 72%، طلبات من أجل الحصول على جواز السفر البرتغالي”. ووفق تقرير نشرته الحكومة البرتغالية، وقامت بتحليله شركة “باسبوتوغو” الإسرائيلية، المتخصصة في استصدار جوازات سفر أوروبية، وبرتغالية بشكل خاص، استخلصت: “بشكل كبير تزايد عدد الإسرائيليين الذين يقدمون طلبات للحصول على جواز السفر البرتغالي عاما إثر عام حيث أنه في العام 2018، تم تقديم 13,872 طلبا من أنحاء العالم، بينها 10,953 طلبا من إسرائيل (79%)؛ وفي العام الحالي 2019 وحتى اليوم، تم تقديم 18,604 طلبات من أنحاء العالم، بينها 15,500 طلب من إسرائيل (84%)”. ويقول المحامي (موطي كوهين) من شركة “باسبوتوغو”، “التوقعات في السنوات المقبلة أن ترتفع أعداد الطلبات، وذلك بالاستناد إلى 3 ملايين إسرائيلي يحتمل أن يحصلوا على الجنسية البرتغالية، وفقا للقانون الذي دخل إلى حيز التنفيذ في العام 2015”.

أزمة الهجرة المعاكسة من أهم التحديات التي تواجه “إسرائيل”. وإن كانت الدولة الصهيونية قد لجأت حتى إلى استقدام اليهود الأفارقة للإسهام في معالجة هذه الأزمة، فإن من أبرز أسباب تعاظم خطر الهجرة المعاكسة تراجع شعور اليهود في البلدان الغربية، ولا سيما في الولايات المتحدة الأمريكية، بالتماهي السابق معها، ناهيك عن الإنتماء إليها في ظل تعاظم نفوذ التيار الديني اليهودي (والقومي) المتطرف الطاغي على مختلف مناحي الحياة. وقبل أيام، أظهرت بيانات دائرة الإحصاء المركزية الاسرائيلية أنه “في الفترة من 1948 إلى 2017، غادر حوالي (732000) إسرائيلي إلى خارج البلاد ولم يعودوا”، مع ملاحظة أن هذا العدد لا يشمل أولادهم الذين ولدوا خارج البلاد!!!

Dr.asad

كاتب وباحث عربي، ومحلل سياسي مختص في القضايا الفلسطينية وشؤون الصراع العربي الإسرائيلي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى