مسلسل “إزدواجية المعايير”

المنطقة العربية مقبلة على مواجهات متجددة، سواء مباشرة أو بالوكالة، وبخاصة بعد اغتيال (قاسم سليماني) الرجل الأبرز في القوة العسكرية الإيرانية. ولقد اعتبر كثير من السياسيين والمحللين الأمريكيين وغيرهم القرار “رعونة ترامبية” بامتياز في منطقة تبعد آلاف الكيلومترات عن بلاده، وفي وقت انتخابي يخطط فيه لسحب القوات الأمريكية من المنطقة، ناهيك عن كونه يواجه ملاحقة برلمانية تستهدف عزله.

تتلخص حجة الرئيس (دونالد ترامب) لتنفيذ عملية الاغتيال في أطروحة أمريكا والعالم الغربي ومعهما “إسرائيل” بأن إيران دولة إرهابية وأن عليها تغيير سلوكها أولا، وبأن تدخلاتها في الدول المختلفة تقتل كثيرين، منهم مدنيون. أما إيران، فتعلن أن الدول المشار إليها هي التي تطلب تعاون طهران، وأن الأخيرة تستجيب للطلب إذا رأت في ذلك مصلحة ثنائية.

حسنا، في وجه الطرح أعلاه، يبرز السؤال: ماذا عن تدخلات الولايات المتحدة وحليفتها “إسرائيل” وعملياتهما في التصفية والقصف المتواصل في عديد الدول؟!!! أم أنه يجوز للولايات المتحدة و”إسرائيل” ما لا يجوز لغيرهما؟!! كذلك، هل باتت استباحة الوطن العربي وبقاع العالم الأضعف أمرا مطلوبا وربما “محبذا” للولايات المتحدة و”إسرائيل”، لكنه منكر على الآخرين؟!! وعليه، يتساءل البعض: ماذا لو قصفت دولة ما سيارة مسؤول أمريكي أو سيارة مسؤول إسرائيلي؟!!

قائمة الاغتيالات الأمريكية/ والإسرائيلية تطول وهي موثقة وموضع اعتراف من الدولتين. فالاغتيالات الإسرائيلية طالت عشرات القيادات الفلسطينية والرموز في كافة الحقول، العسكرية والسياسية والإعلامية والثقافية، لمن تعتبرهم خطرا على أمنها دون التفات لأية تبعات سياسية ولا قانونية. أما دائرة الاغتيالات الأمريكية فهي أكبر وأوسع، وصلت حد قيام وكالة الاستخبارات الأمريكية باغتيال رؤساء دول أو مشاركتها في عمليات أخرى: كرئيس الإكوادور (خايمي رودلس)، ورئيس بنما (عمر توريخوس) 1981، والرئيس الكونغولى (باتريس لومومبا) 1961، والجنرال (نغو دييم) رئيس فيتنام الجنوبية 1963، مع المحاولات الفاشلة لاغتيال الرئيس الكوبي السابق (فيدل كاسترو). والجدل حول تورط الدولة الأمريكية “العميقة” ما زال واسعا في عمليات اغتيال وتصفية طالت شخصيات عامة معارضة للسلطة في الولايات المتحدة ذاتها مثل (مالكوم إكس) و(مارتن لوثر كينج).

كثيرون هم الذين تساءلوا –في الولايات المتحدة وخارجها – عن هدف اغتيال سليماني: هل لأن رجال الإدارة الترامبية يرون فيه رأس الإرهاب المؤذي لمصالحهم فحسب، أم لأنهم يبغون تشديد الحصار على إيران وصولا إلى ركوعها مع القضاء نهائيا على الاتفاق النووي الأمر الذي يخدم – أول ما يخدم – مخططات “إسرائيل”، دون أن ننسى النكسات المتتالية لإدارة (ترامب) في عديد الملفات الخارجية (الصين، روسيا، شبه جزيرة القرم، سوريا وغيرها من قضايا الشرق الأوسط) الأمر الذي يجعله يبحث عن أي انتصار. وبغض النظر عن الدافع/ الدوافع الأمريكية… فإن الأمر الساطع يتلخص في أنها ممارسة جديدة في عالم “ازدواجية المعايير” التي لطالما اتحفنا بها الغرب عموما، وإسرائيل خصوصا!.