المقاومة في الضفة الفلسطينية منسية؟

يلاحظ أنه خلال الأعوام القليلة الماضية، تتجه السياسة الإسرائيلية أكثر من أي وقت مضى إلى تفعيل ممارسة ضم أجزاء حيوية من الضفة الغربية المحتلة. فالأخيرة، تشكل اليوم، جوهر المخططات الإسرائيلية، وبالتالي مسابقة الزمن لاستكمال تهويدها و”أسرلتها”، من خلال الاستعمار/ “الاستيطان” والضم المتدرج، ومصادرة الأراضي بذرائع مختلفة، وبناء جدار الفصل العنصري، وهدم المنازل، والاعتقالات، والاقتحامات المتواصلة، وغيرها الكثير، دون أن ننسى أهمية الضفة الاستراتيجية والأمنية والعسكرية والاقتصادية للاحتلال. ومن الثابت أن المواقف الأمريكية الداعمة للاحتلال والاستعمار/ “الاستيطان” شجعت وزادت من نشاطات “المستوطنين” العدوانية على الفلسطينيين وممتلكاتهم وعلى المقدسات الإسلامية والمسيحية، كما شجعتهم على المطالبة ببناء المزيد من المستعمرات/ “المستوطنات” وتوسيعها ومصادرة المزيد من الأراضي الفلسطينية لهذا الغرض وبالذات بعد أن خرجت الولايات المتحدة عن “سياسة الصمت” إلى “سياسة العلن” بخصوص عدم معارضتها لبناء مزيد من هذه “المستوطنات” وفقا لتصريحات وزير خارجيتها (مايك بومبيو).

لقد جاء ذلك الموقف الجديد مع الحديث الدائم عن “صفقة القرن”، والهدايا الأمريكية المجانية المتواصلة، وآخرها ذلك الإعلان الصريح لـ (بومبيو) أن بلاده “لم تعد تعتبر المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية مخالفة للقانون الدولي”. ومنذئذ، تزايدت التحذيرات الإسرائيلية من إمكانية تفجر الوضع في الضفة الغربية “حتى لو كان محدوداً”، لأن جيش الاحتلال “سيضطر إلى نقل قوات كبيرة إلى الضفة من أجل حماية المستعمرات/ المستوطنات”. هذا، وتواصل التقارير الاستخباراتية الإسرائيلية إعلان مخاوفها من أن الوضع قد ينفجر في الضفة، محذرة من “تحول المواجهة من قومية إلى دينية” وخصوصا مع تواصل الاقتحامات للمسجد الأقصى وإقامة صلوات تلمودية استفزازية أمام مصلى “باب الرحمة”، بالتزامن مع اقتحامات ضخمة لأعداد المستعمرين/ “المستوطنين” للحرم الإبراهيمي في الخليل وقبر يوسف في نابلس، حيث يبلغ عدد المقتحمين عدة آلاف مع ما يرافقها من مواجهات ضد الشبان الفلسطينيين، بل اقتحام المستعمرين/ “المستوطنين”، بحماية قوة كبيرة من جيش الاحتلال وباسناد مروحية احتلالية، كنيسة المسكوبية في الخليل لأول مرة منذ سنوات طويلة، فضلاً عن التحذيرات “المطالبة بتنفيذ مخططات على رأسها تهجير سكان منطقة الخان الأحمر التابعة لمدينة القدس، والتوتر في السجون بين الأسرى وأجهزة القمع الإسرائيلي بما ينذر بتصعيد قابل للتوسع إلى جبهات أخرى”.

ومن جانبه، حذر الرئيس السابق لجهاز الأمن العام الإسرائيلي “الشاباك” (يورام كوهين) الحكومة الإسرائيلية من أن تطبيق خطتها لضم أجزاء من الضفة الغربية سيؤدي إلى “إراقة دماء”. وأشار (كوهين) الذي ترأس “الشاباك” أعوام (2011 – 2016) إلى “ضرورة اتخاذ خطوات من أجل تقليص نطاق الاحتلال أو “مدى بروزه” في الضفة الغربية، من خلال تحويل المنطقة “ب” تدريجيا إلى المنطقة “أ”.

والحال كذلك، لم يكن مستغربا أنه، في الآونة الأخيرة، باتت قرى وبلدات ومدن الضفة تشهد مختلف أشكال المقاومة الشعبية، في ظل العراقيل الكثيرة أمام المقاومة المنظمة/ المسلحة ومن ضمنها التنسيق الأمني، فلقد ظهر جيل فلسطيني شاب أكثر شجاعة وجرأة ووعياً، رغم افتقاره للقيادة الموحدة. وفي هذا السياق، جاء عقد المؤتمر الشعبي الأول من نوعه في الضفة لـ”تفعيل المقاومة الشعبية” ضد “إسرائيل”، الذي قدمت فيه أوراق عمل في إطار اللجان الشعبية تتعلق بتفعيل المقاومة الشعبية ونشرها في مواقع المواجهة مع “إسرائيل” وتوفير الحماية للقرى الفلسطينية. ويهدف هذا “المؤتمر” بشكل أساسي، إلى مأسسة ممارسة المقاومة الشعبية كنهج، ووضع خطط لتعزيز العلاقات مع القوى واللجان الدولية، والترويج لحملات مقاطعة المنتج إسرائيل لدعم المنتج المحلي، وهو مؤتمر عقد انسجاما مع قرارات المجلسين المركزي والوطني لمنظمة التحرير الفلسطينية في تطوير وتفعيل المقاومة الشعبية وتوسيع رقعتها.

من يتابع تقارير “المكتب الوطني للدفاع عن الأرض ومقاومة الاستيطان” الأسبوعية يلحظ التطورات التي تشهدها محافظات الضفة الغربية مؤخرا، وبالذات “هبة قطاف الزيتون” في ظل الاعتداءات الممنهجة “للمستوطنين”. فالمواجهات الشعبية الفلسطينية المقاومة لقوات الاحتلال ولمستعمريه/ “مستوطنيه” تتوالى وتتسع في قرى وبلدات ومدن الضفة، حيث يسعى الفلسطينيون إلى إحباط اعتداءات المستعمرين/ “المستوطنين” على ممتلكاتهم ونتاج جهدهم خاصة مع “موسم قطف الزيتون”، ومحاولات الاستيلاء على مساحات جديدة من الأراضي بهدف التوسع الاستعماري/ “الاستيطاني” حيث تتواصل الاشتباكات في قرى نابلس وقلقيلية وسلفيت ورام الله، والتي كانت الأكثر تضررا ما أسفر عن اتلاف أكثر من (1000) شجرة وسرقة عدة أطنان من محصول الزيتون، فضلا عن هدم المنازل، فبحسب مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية في الأرض الفلسطينية المحتلة (أوتشا) هدمت سلطات الاحتلال أو صادرت 39 مبنى فلسطينيا في الضفة الغربية المحتلة خلال الأسبوعين الأخيرين من تشرين ثاني المنصرم، أغلبها في زعترة (بيت لحم) وقرية بيت كاحل جنوب الضفة.

صحيح أن عمليات المقاومة الفردية من عمليات الدهس إلى استخدام السكاكين وصولا إلى استخدام الرصاص تشهد طفرات بعيدة عن الاستمرارية، بسبب الحرب التي يقودها جيش الاحتلال ضد المقاومة في الضفة الغربية حيث يعيش الجيش حالة تأهب دائمة سواءً لخشيته من تنفيذ عمليات خطف/ أسر للإسرائيليين من قبل الفلسطينيين، أم لتنفيذ عمليات اعتقال جديدة للفلسطينيين في قرى وبلدات ومدن الضفة، التي تشهد صدامات ومناوشات يومية بسبب السياسات العدوانية الإسرائيلية. لذا، واقع الضفة اليوم يخلق الدافعية لتنفيذ العمليات الفدائية خصوصاً الفردية منها.

واليوم، إن كانت القيادة الفلسطينية مطالبة بتكثيف التحرك الدبلوماسي والسياسي الواسع على مستوى العالم، فإنه من الضروري استمرار المقاومة الشعبية وتطويرها عبر خلق حالة من عدم الاستقرار للمستعمرين/ “المستوطنين” في كل أنحاء الضفة الغربية، مع التأكيد على أهمية تعزيز صمود الفلسطينيين في المناطق المستهدفة بالاستعمار/ “الاستيطان” ماديا وبشريا.

Dr.asad

كاتب وباحث عربي، ومحلل سياسي مختص في القضايا الفلسطينية وشؤون الصراع العربي الإسرائيلي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى