مخاوف “إسرائيل” من “تحولات” (ترامب)
منذ توليه رئاسة الولايات المتحدة الأمريكية، تبنى الرئيس (دونالد ترامب) بقوة آراء ومواقف وقرارات رئيس الوزراء الإسرائيلي (بنيامين نتنياهو) المتشددة بشأن الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي، فانهمرت على الدولة الصهيونية هداياه المجانية مثل نقل السفارة الأمريكية إلى القدس المحتلة، والاعتراف بالسيادة الإسرائيلية على مرتفعات الجولان السوري المحتل، والانسحاب من الاتفاق النووي مع إيران وغير ذلك كثير ومن ضمنه “عقوبات” تم فرضها على الطرف الفلسطيني.
في السياسة، استمرار الحال من المحال، فالإدارة الأمريكية اليوم يقال أنها محبطة من “إسرائيل” وأن (ترامب) لربما قرر التخلي عن (نتنياهو) الزعيم الأطول بقاء في السلطة بإسرائيل، والذي يضيق الخناق على رقبته بسبب قضايا الفساد رغم مؤشرات قوية بأنه لن يسلم طواعية وسيحاول التملص منها بطريقة أو أخرى في وقت تتوسع فيه دائرة التمرد ضده. فبحسب مسؤولين إسرائيليين لصحيفة “يديعوت أحرنوت”: “واشنطن تشعر بالإحباط وخيبة أمل بسبب السياسة الإسرائيلية والأزمة السياسية التي حالت دون طرحها الجزء السياسي من صفقة القرن وتعطيلها منذ شهور، والمسؤولون الأمريكيون الذين تحدثوا إلى الرئيس ترامب قالوا أنه يشعر بخيبة أمل شديدة من نتنياهو ويتحدث عنه بشكل سلبي”. واستخلصت الصحيفة: “ترامب بات ينظر إلى ما وراء نتنياهو وإلى ما قد تعنيه الحكومة الإسرائيلية المستقبلية بالنسبة لآماله في إطلاق خطة سلام عربية -إسرائيلية هذا العام”. ومن جهته، علق (دان شابيرو) سفير الولايات المتحدة السابق لدى إسرائيل،: “ترامب يشم رائحة مرحلة الضعف لنتنياهو، ويريد أن ينأى بنفسه عنه. ترامب لا يريد إلا فعل القليل تجاه نتنياهو الخاسر”.
أولى خطوات الابتعاد عن (نتنياهو)، كانت بعدم مساعدة (ترامب) له في الجولة الثانية من انتخابات “الكنيست” (البرلمان الإسرائيلي) في أيلول/ سبتمبر الماضي، كما فعل في الجولة الأولى بعد انتخابات نيسان/ إبريل حين دعاه إلى البيت الأبيض، معلنا “ضم هضبة الجولان لإسرائيل”. كما أن (ترامب) أعلن صراحة أنه لم يجر بعد انتخابات الكنيست الثانية اتصالات مع (نتنياهو) وقلّل من أهمية الأخير بالنسبة للتحالف بين واشنطن وتل أبيب، قائلا: “علاقاتنا مع دولة إسرائيل وليست مع أشخاص، لذلك سنرى ما سيحدث”. ومؤخرا، رفض (ترامب) التأييد العلني لتعهد (نتنياهو) بضم أجزاء من الضفة الغربية إذا أُعيد انتخابه، أي ليس كما حدث بعد انتخابات نيسان/ إبريل عندما أعلن (ترامب) عن موقف الولايات المتحدة السياسي الجديد من مرتفعات الجولان، وبدا سعيداً لقيام (نتنياهو) بإظهار علاقتهما الوثيقة.
ثاني خطوات الابتعاد جاءت بسبب ضغوطات استحقاقات الانتخابات الرئاسية الأمريكية القادمة. وبحسب (آرون ديفيد ميلر) المستشار السابق للولايات المتحدة في القضايا الفلسطينية والإسرائيلية: “بالنسبة لترامب، فإن الحفاظ على أوراق اعتماده المؤيدة لإسرائيل وإرضاء الناخبين اليهود والإنجيليين المحافظين أكثر أهمية من الرابطة التي أقامها مع نتنياهو. ترامب يهتم فقط بانتخابات واحدة، هي الانتخابات الأمريكية”. حتى إعلان وزير الخارجية الأمريكي (مايك بومبيو) بأن الولايات المتحدة لن تعتبر المستعمرات/ “المستوطنات” مخالفة للقانون الدولي، عملها (ترامب) هذه المرة ليس كما هي العادة لمصلحته ولمصلحة (نتنياهو) معا. من جهتها، أوضحت صحيفة “واشنطن بوست”: “تتمحور حسابات ترامب – الذي قال إن اليهود الأمريكيين الذين يصوتون للديمقراطيين “خائنون” لإسرائيل- حول السياسة الداخلية قبل انتخابات 2020 بقدر ما يتعلق بالسياسة الخارجية. لم يكن نهج الرئيس المتشدد فقط بمثابة محاولة لكسب بعض الناخبين اليهود الذين ساندوا الديمقراطيين سابقاً، بل كان مناشداً للإنجيليين الذين يعدون من أقوى مؤيديه ويبجلون إسرائيل، لدورها في قصص الكتاب المقدس”. في السياق، وصفت (تمارا كوفمان ويتيس) المتخصصة في معهد بروكينغز الشرق الأوسط: “… وما فعله ترامب مثل الثلج البارد”.
ثالث خطوات الابتعاد، كان محور “إيران”. فلقد شعر (ترامب) في الأشهر الأخيرة بإزعاج إزاء معارضة (نتنياهو) الشديدة لبعض تحركات الدبلوماسية الأمريكية المحتملة مع إيران بغية إبرام صفقة ما تظهر (ترامب) كـ “صانع سلام”، بعد أن كان كلاهما مجمعين على الحد من طموحات إيران النووية بطرق متشددة عبر فرض العقوبات بل ربما كما طالب (نتنياهو) عديد المرات، بإشعال نار الحرب. من جانبه، كان الرئيس الأمريكي يعترض على “نووي إيران” “لإيمانه” بأنه يمكن الحصول على صفقة أفضل، في حين رفض (نتنياهو) أي تنازل لإيران التي يعتبرها العدو الأول “لإسرائيل”. وكما يقول (عاموس هارئيل) المعلق العسكري لصحيفة “هارتس”: “التقديرات السائدة في تل أبيب ترجح أن رغبة ترامب في تحقيق إنجازات سياسية على صعيد السياسة الخارجية قبل انتخابات العام المقبل تجعله أقل استجابة للضغوط التي يمارسها نتنياهو لمنعه من محاولة التقارب مع إيران”. ويلفت (هارئيل) الأنظار إلى أن “اليمين في إسرائيل قرأ سلوك ترامب بشكل خاطئ. فترامب، في النهاية، يقلق فقط من أجل نفسه، لذا فهو معني بتحقيق اختراق على صعيد السياسة الخارجية ولا يبحث عن حرب جديدة”.
أما رابع خطوات الإبتعاد، فتجلى في قرار الرئيس (ترامب) سحب القوات الأمريكية من سورية دون إبلاغ إسرائيل مسبقاً، وكذلك موقفه من العملية العسكرية في شمال شرق سورية ما اعتبره (نتنياهو) ليس تهديد لأمن “إسرائيل” فحسب بل “تغيرات في الاستراتيجية الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط، وتراجعا أمريكيا عن التعاطي مع مشكلة التمركز العسكري الإيراني في سورية”. وفي السياق، قال الكاتب الإسرائيلي (أوري مسغاف): “ترامب هو مفلس متسلسل يعبر عن الإفلاس: الطريقة الديمقراطية العالمية لمبنى النظام الأمريكي والبيبية الإسرائيلية. هذا فشل ذريع وجارف لنتنياهو، الذي وضع كل رهانه على هذا الحصان الفاشل، ربما بأمر من سيدهما المشترك، رجل المقامرة شلدون ادلسون. ففي تسرعه الى أحضان ترامب، إضافة الى استخذائه أمام فلادمير بوتين، قاد نتنياهو إسرائيل الى حوض مكسور أمام محور إيران – روسيا في الشرق الأوسط، وفي المقابل، قاد الى شرخ غير مسبوق مع المعسكر الديمقراطي – الليبرالي في أمريكا ومعظم يهود الولايات المتحدة”.