(ترامب) وولاء اليهود: عنصرية ومصالح انتخابية ضيقة
امتنعت “دولة إسرائيل” الرسمية عن التعليق على اتهام الرئيس الأمريكي (دونالد ترامب) بحق يهود الولايات المتحدة الذين يدلون بأصواتهم لصالح الحزب الديمقراطي بأنهم “خائنون”!!! وجاء ذلك الاتهام إثر تعليقه على عضوتي الكونغرس الديمقراطيتين (إلهان عمر) و(رشيدة طليب) اللتين رفضت إسرائيل السماح لهما بزيارتها تحت إلحاح من (ترامب) نفسه!!! بالمقابل، ثار غضب الجماعات اليهودية في الولايات المتحدة من تصريح (ترامب) إذ اعتبر بعض هؤلاء التصريحات معادية للسامية، في حين رأى آخرون أنها تخفي وراءها مصالح انتخابية ضيقة. فمسألة “عدم الولاء” التي لجأ إليها (ترامب) تعد من المحرمات عند يهود أمريكا الذين يتهمون أصلا من يستخدمها ضدهم بالعداء للسامية.
اليهود الأمريكيون، كغيرهم من الأمريكيين، تتنوع آراؤهم وأولوياتهم السياسية، ولكن أن يصدر هذا الموقف عمن يشغل أعلى منصب منتخب في الدولة الأمريكية، فهو أمر له تداعياته على المجتمع اليهودي في الولايات المتحدة. و”عدم الولاء” مفهوم يروج له القوميون البيض من الأمريكيين بشكل أساسي، ويعتبر أحد تجليات معاداة السامية، ومفاده أن اليهود مخلصون لإسرائيل أكثر من البلدان التي يقيمون فيها. وهذه لم تكن المرة الأولى التي يشير فيها (ترامب) لعبارة “عدم الولاء”. ففي أيار/ مايو الماضي أثناء لقائه مع أعضاء التحالف الجمهوري اليهودي، المؤسسة الأمريكية اليهودية الداعية لدعم العلاقات بين أمريكا وإسرائيل، قال صراحة “لقد تحدثت مع رئيس وزرائكم نتنياهو”، أي هو إعلان صريح بأنه لا يعترف بأمريكية يهود الولايات المتحدة!
يشير العديد من الخبراء في الشأن الأمريكي إلى أن اليهود تغلغلوا في الحزب الديموقراطي باعتباره حزب المهاجرين حيث يمكنهم الانسجام في جزء كبير من رؤيته الديمقراطية وتعامله مع الحقوق والأقليات، بخلاف الحزب الجمهوري الذي لم يرحب بهم عندما وفدوا إلى الولايات المتحدة. واليوم، طبقا لمركز “بيو للأبحاث”، فقد صوت “71% من يهود أمريكا لهيلاري كلينتون بانتخابات الرئاسة 2016، وارتفعت نسبة تصويتهم للمرشحين الديمقراطيين بانتخابات الكونغرس عام 2018 -أي بعد عامين من حكم ترامب- إلى 79%”. وكشفت دراسة حديثة للمركز أن “البروتستانت والإيفانجاليكال أكثر تأييدا لسياسات ترامب مقارنة باليهود الأمريكيين. ورأى 42% من يهود أمريكا أن واشنطن تدعم إسرائيل أكثر من اللازم، في حين يرى 22% فقط من البروتستانت ذلك، وتخفض النسبة مع الإيفانجاليكال إلى 15%. ولقد حصل ترامب على أصوات 58% من الناخبين البروتستانت مقابل 39% لمنافسته، وارتفعت نسبة تأييد ترامب إلى 81% وسط الإيفانجاليكال، مقابل 16% لكلينتون”.
كثيرون هاجموا تصريحات (ترامب)، التي يراها عديد اليهود أنها عبارة “يستخدمها كل المعادين للسامية منذ العصور الوسطي بالملكيات الأوروبية للتشكيك في ولاء الرعايا اليهود للدولة التي يعيشون فيها”. فمثلا، قالت جماعة “جيه ستريت” – جماعة الضغط اليهودية الليبرالية: “من الخطر والعار أن يهاجم الرئيس ترامب الأغلبية الكبيرة من الطائفة اليهودية الأمريكية ويصفها بالغباء والخيانة. لكن ليس مفاجئا أن تنتقل هجمات الرئيس العنصرية المخادعة عن النساء التقدميات الملونات في الكونغرس الآن إلى تشويه يستهدف اليهود”. وقال السناتور (بيرني ساندرز) الذي ينافس على الفوز بترشيح الحزب الديمقراطي في الانتخابات الرئاسية المقبلة 2020: “رسالتي إلى ترامب: أنا يهودي وأفتخر وليس لدي مخاوف من الإدلاء بصوتي لديمقراطيين”. ووصف (جو بايدن) نائب الرئيس الأمريكي السابق والمرشح الأوفر حظًا لمنافسة (ترامب) في انتخابات الرئاسة التصريحات بأنها “مهينة وغير مبررة”، وحثه على التوقف عن بث الفرقة بين الأمريكيين. أما المرشح الديمقراطي (بيتو أورورك) فقال: “(الشعب اليهودي) ليس بحاجة لإثبات ولائه لك (ترامب) أو لأي شخص آخر”. ودعت اللجنة اليهودية الأمريكية “الرئيس لوقف مثل هذا الخطاب المثير للانقسام والتراجع عن تصريحاته الساخطة”. ومن جهته، قال منتدى السياسة الإسرائيلية: “نحن نرفض تعليقات الرئيس ترامب التي تشير إلى الجهل والخيانة بين اليهود الأمريكيين. إن كلمات الرئيس مروعة، ولكنها غير مفاجئة بالنظر إلى سجله من التصريحات غير اللائقة، وكذلك جهوده للاستفادة من إسرائيل باعتبارها قضية دسمة في السياسة الأمريكية”. وكتب الحاخام (جونا بيسنر) مدير مركز العمل الديني لحركة الإصلاح: “الإدعاء بأن اليهود غير مخلصين لممارسة حق التصويت، هو أمر غير مسؤول وخطير، فالحرية السياسية والدينية هي من السمات المميزة لهذه الأمة، وتحمي الناس من جميع الأديان”. ثم أضاف مخاطبا (ترامب): “توقف عن استخدام الجالية اليهودية لتسجيل نقاط سياسية”. وفي السياق، قال زعيم الأقلية في مجلس الشيوخ (تشاك شومر): “عندما يستخدم ترامب وصفاً استخدم ضد (الشعب اليهودي) لقرون وكان له عواقب وخيمة، فهو يشجع – عن قصد أو عن غير قصد – على معاداة السامية في جميع أنحاء البلاد والعالم، كفى”.
عندما يقول (ترامب) إن اليهود الذين يصوتون لصالح الديمقراطيين يظهرون “إما نقصا تاما في المعرفة أو عدم الولاء الشديد” فإنه يقوي قوى التعصب. بل إن كل ما حدث منذ توليه الرئاسة من ممارسات وجرائم عنصرية في أكثر من ولاية باتت مشكلة عصية على الحل أساسها عنصرية شاملة ضد أقليات ذات أصول ثقافية متعددة. حقا، يشهد المجتمع الأمريكي اليوم تحولات تمس جوهر مستقبل الولايات المتحدة والطريق الذي سيسير نحوه مجتمعها، فيما يبدو الرئيس الشعبوي المنتخب (ترامب) غير مكترث بل هو يواصل مسيرة عنصرية تذكي الكراهية بين الأمريكيين، غير آبه إلا بإعادة انتخابه لولاية ثانية!!!