“الجوائز العربية”: أسالت “الحبر” بداية، و”اللعاب” لاحقا!

تعرف الجائزة في معناها اللغوي بـ “العطية” أو “الهبة” سواء كانت مشروطة بأداء عمل أو لا. ومع تعقد الحياة واتساع مجالات البحث العلمي، صارت “الجائزة” تعني المكافأة على إنجاز إبداعي، وهدفها -بالمحصلة- خلق روح المنافسة واطلاق المواهب لدى المبدعين في كافة حقول العلوم والآداب والاجتماعيات من خلال تركيزها على العمل وإبراز مواطن العلم أو الجمال فيه وصولا الى أكبر عدد من المتلقين؛ بما يسلط الأضواء على المبدعين من خلال تكريمهم، ويكرس مكانتهم ضمن المشهد العلمي والثقافي، فضلا عن أنها تمثل اعترافا بقيمة الإبداع ودوره في الحياة. وفكرة الجوائز اعتمدتها الدول المتقدمة أسلوباً من أساليب تطوير فنونها وآدابها وعلومها.

تبعا للإحصاءات، بلغ عدد الجوائز المعروفة في العالم (500) جائزة تقريبا. ولقد اعتمد ذلك التعداد على جملة من الأسس؛ كالاستمرارية، والمنهج الواضح المعلن، فضلا عن مكانة الجائزة، وأصالتها، وشهرتها دوليا واقليميا وقطريا. ولقد تباينت تصنيفات تلك الجوائز بتباين أهدافها وغاياتها وتطلعاتها؛ فظهرت جوائز متخصصة نوعا ما، كتلك التي تمنح في تخصص علمي دقيق، أو لجنس أدبي بعينه كالرواية، أو القصة القصيرة، أو المسرح. وثمة جوائز تقتصر على إقليم أو بلد بعينه، أو مخصصة للناطقين بلغة ما، وهناك – في المقابل – جوائز لا تضع قيودا جغرافية أو لغوية، وهي تمنح في حقول العلوم البحتة أو الدراسات الإنسانية أو الأدبية أو الاجتماعية أو العلوم التطبيقية. ومتى كانت “الحوافز المشجعة” للجوائز قوية ومتعددة، كانت النتائج مهمة في رفع مستوى الإنتاج الفني والثقافي والعلمي، ومتى حصل العكس عرف الإنتاج تقلصا وانكماشا.

عندما نقارن -على سبيل المثال- الميزانيات الهائلة المخصصة للبحث العلمي في الدول المتقدمة، وخاصة في الولايات المتحدة الأمريكية، وكذلك الجوائز العالمية التي تنفرد بها السينما الأمريكية؛ ندرك السبب الرئيس وراء ازدهار البحث العلمي ووراء انتشار الفيلم الأمريكي وهيمنته عالميا. وفي دولة كفرنسا مثلا -باعتبارها تتبوأ مركزا طليعيا في الثقافة والفن والأدب وفي قطاعات المال والأعمال وشتى القطاعات الأخرى على مستوى العالم- يتم تخصيص أكثر من 1500 جائزة سنويا، تمنح في مختلف المستويات والقطاعات بمعدل (4) جوائز يومياً، مما يؤكد أهمية التحفيز والتشجيع في ترسيخ مفهوم التميز والإبداع والجودة كثقافة متجددة.

اتساع الفضاء العربي، وضعف الإعلام الثقافي العربي، وسوء توزيع الكتاب، كلها عوامل جعلت من الصعوبة بمكان التعرف على أعمق الدراسات أو أهم الإبداعات. في السياق، ظهر تقليد الجوائز الإبداعية في العالم العربي بجائزة أو جائزتين، وامتد ليصبح عشرات الجوائز. فمنذ بضعة عقود، بدأ العرب في شخص بعض الملوك أو الرؤساء أو بعض الشخصيات المالية أو الإبداعية أو المؤسسات المالية والعلمية، يسهمون في خلق جوائز للإبداع  الفكري والعلمي والأدبي والفني والرياضي. ونجح التنافس الإيجابي والصحي بينهم في خلق أسباب محفزة للمشاركة في الجوائز التي يخصصونها سنويا أو كل سنتين، مع الإشارة إلى تركز الحضور الكبير لها في دول الخليج العربي. وهنا، نشير -مثلا وليس حصرا- إلى: جوائز الملك فيصل العالمية، والشيخ زايد للكتاب، وجائزة “كتارا” القطرية، وعبد العزيز البابطين للإبداع الشعري، وعبد الحميد شومان للباحثين العرب الشبان، والعويس، ودبي الثقافية للإبداع، وجوائز فلسطين الثقافية، وجائزة الإبداع العربي، وجائزة الملك عبدالله الثاني للإبداع، وجائزة الأركانة العالمية للشعر في المغرب..إلخ. فضلا عن جوائز الكتاب التي تنظمها وزارات الثقافة العربية، أو جوائز الدولة التشجيعية، أو الجوائز الخاصة بالسينما أو غيرها من الجوائز الرياضية والشعبية التي تلعب دورا كبيرا في تقديم هؤلاء وتعريفهم إلى القارئ، إذ يطرح بعضها مبالغ مالية قيمة، ويسهم -بلا شك- في دفع العمل الفائز بعيدا في التلقي والتوزيع، وحصاد عائدات أكثر. لكن بعض الجوائز لا تعدو عن كونها مجرد شهادات تقدير، أو ربما مبالغ بسيطة لا تتعدى قيمتها ثمن عدة نسخ من الكتاب، ولكنها أيضا تعدّ جوائز ما دامت قامت لها مسابقة ولجان تحكيم واحتفال. وبالفعل، استطاعت الجوائز العربية تحريك المياه الراكدة في الحياة الثقافية بما أضافته من تحفيز وتشجيع للمبدعين العرب في شتى المجالات.

خلاصة الأمر، يمكن للمكافأة المادية أن تشد من أزر المكافأة المعنوية إذا تحملت لجان التحكيم للأعمال المترشحة -بقراءاتها المتعددة- مسؤوليتها الأخلاقية دون محاباة أو واسطة أو شللية أو محسوبية، وإن لعبت دور النشر ومؤسسات الإعلام دورها في تثمين العمل المجاز وجعله قيد التداول الواسع والدائم، وإلا فإن الجائزة ستظل مجرد مكافأة بتراء. وبات الآن مطلوبا، مطلوب حقا، مراعاة أهمية القيمة المادية للجائزة. فلنوسع قليلا قيمة الجوائز، ولنجعلها سخية، إذ دائما ما يكون حصاد الإحباط أكبر بكثير من حصاد الرضا!، كذلك، لطالما حظيت الجوائز ببريق معنوي ومادي أخاذ لم يتمكن أي كاتب -مهما ادعى- غض بصره عنه. ومع ذلك، فإن التنافس للحصول على جائزة وإن كان مغشيا للأبصار، ومسيلا للعاب والحبر معا؛ فان المحفز المعنوي عند المشاركين -في ظننا- قد أسال “الحبر” الإبداعي أكثر من “اللعاب”، بمعنى أن الجوائز حفزت مساعي الإبداع أكثر من كونها حفزت الشهية للمال.

Dr.asad

كاتب وباحث عربي، ومحلل سياسي مختص في القضايا الفلسطينية وشؤون الصراع العربي الإسرائيلي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى