إسرائيل: عودة إلى أصل الحكاية؟

أدى إعلان قيام “إسرائيل” في العام 1948 إلى نزوح وتشريد أكثر من 760 ألف فلسطيني من أراضيهم ومحو العصابات اليهودية/ الإسرائيلية لأكثر من 500 مدينة وقرية. وفي العام 1965، اعتمدت الحركة الوطنية الفلسطينية، منذ بداياتها، على الكفاح المسلح أداة لبنيتها، واعتبرته طريقا وحيدا لتحرير فلسطين، “من البحر إلى النهر”. فميثاق الأمم المتحدة يقر في بنوده حق الشعوب في المقاومة. وقد استمر هذا النهج طويلا لدى جميع الفصائل المقاومة وعلى رأسها الحركة الأكبر في حينه “فتح” تليها “الجبهة الشعبية”. كذلك، ومع تعاظم قوة الحركات الإسلامية، واصلت “حماس” و”الجهاد الإسلامي” هذا الطرح: تحرير فلسطين من “البحر إلى النهر” باعتبارها وقفا إسلاميا.

مع نشوء قوى سياسية فلسطينية شعرت باختلال القوى العالمية لصالح “إسرائيل”، ومع ضعف قدرة الفصائل الفلسطينية على تطوير كفاحها المسلح نتيجة كل التعقيدات والقيود والإشكاليات المتعلقة بهذا الشكل النضالي، أدركوا أنه حان الوقت للتغيير، فسارعت حركة “فتح” إلى قيادة النضال الفلسطيني عبر التحول بانتهاج طريق المفاوضات وتراجعت مع عديد القوى السياسية والفصائلية عن اطروحة “من البحر إلى النهر”. عندها، ورغم بقاء قوى تقول بذات الخطاب السابق “من البحر إلى النهر” وعلى رأسها “الشعبية”، نلحظ أن قوى أخرى علمانية ووطنية مالت نحو الخطاب السياسي “التسوية” وبدأت تتعاطى مع المبادرات العربية والدولية، بعد أن أدركت هذه القوى أنها لن تنجح في مواجهة مشكلات وقيود أحاطت بالكفاح المسلح، على رأسها انطلاقه من الخارج، وغياب قاعدة مستقلة له، وغياب الظهير الاستراتيجي، والاختلال في موازين القوى لصالح إسرائيل، والإمكانات المادية الكبيرة التي يتطلبها الاستمرار في النهج المقاوم.

ومع “أوسلو” وتبعاته، تملص الاحتلال الإسرائيلي من “التسوية”، فاندلعت الانتفاضة الثانية أواخر عام 2000 والتي طغى عليها المواجهات المسلحة، وأدت في النهاية لإعادة احتلال مدن الضفة الغربية، وتقطيع أوصالها، وبناء جدار الفصل العنصري، وتحويل قطاع غزة إلى سجن كبير ما زالت الحملات العدوانية المدمرة مستمرة ضده.

ليس خافيا أن مشروع المقاومة، بشقيه السياسي والمسلح، قد وصل إلى طريق مسدود في ظل استمرار الاحتلال وتهويد الأرض وتسمين المستعمرات/ “المستوطنات” من جهة، واستمرار الانقسام السياسي والجغرافي الفلسطيني/ الفلسطيني من جهة أخرى، فضلا عن “بركات” تواطؤ دول عربية تدفع الفلسطينيين للقبول بـ “صفقة القرن” الرامية إلى تصفية القضية الفلسطينية، وعجز دول أخرى عن إسناد الفلسطينيين في ظل فوضى الشرق الأوسط.

اليوم، ومع “احتفالات إسرائيل” بعد 71 عاما على “استقلالها”، أي النكبة الفلسطينية، نكاد نجزم أن المشروع الوطني الفلسطيني لم يواجه طوال عقود الألم والمعاناة منذ النكبة الأولى أزمة بهذا التعقيد كما يواجهها اليوم. ومع انسداد الأفق، ربما تعود الأمور إلى أصل الحكاية وطروحات الحل الجذري في الصراع باعتباره الحل الأمثل ولا بديل عنه، ذلك القائل: من البحر إلى النهر… وهذه هي، أصلا، رسالة “إسرائيل” والصهيونية لنا (نريدها: من البحر إلى النهر) والتي تكشفت بوضوح على امتداد العام 2018 وحتى الآن.