“اللاسامية”: الوجه… والوجه الآخر

“اللاسامية” مصطلح تعارفت عليه أوروبا بأنه كراهية اليهود وملاحقتهم بسبب انتمائهم لشعب سامي مختلف عن الشعوب الأوروبية. وقد استهدفت “اللاسامية” إظهار اليهود كعنصر غريب دون سواه من الشعوب الأخرى في العالم، الأمر الذي سرعان ما وظفته الحركة الصهيونية لأهدافها السياسية ومن ضمنها إسكات أي صوت رافض لممارساتها بحق الشعب الفلسطيني. ولقد تفاقمت “اللاسامية” بقوة مع استلام (أدولف هتلر) سدة الحكم في المانيا العام 1933، حيث طبق النازيون النظرية العنصرية العرقية عبر قوانين مجحفة لطرد اليهود – إلى جانب عرقيات أخرى – من وظائفهم وملاحقتهم وتدمير مصالحهم الاقتصادية المختلفة وتجميعهم لاحقا في معسكرات إبادة لتصفيتهم جسدياً.

اليوم، ومع تزايد مظاهر “اللاسامية”، تسعى إسرائيل لخلق انطباع أن اليهود هم دوماً – كانوا وما زالوا – الملاحقون المظلومون في الأرض!!! فبحسب تقرير أصدره “الاتحاد العام لنقابات العمال الإسرائيلية” الهستدروت، “طرأ ارتفاع في مظاهر الكراهية تجاه اليهود. فقد سجل العام 2018 ارتفاعا بمعدل 57% في الأحداث اللاسامية في الولايات المتحدة. وقد أحصت فرنسا في الإجمال 541 عملا معاديا للسامية في 2018 وهو رقم ازداد بنسبة 74% في عام واحد. وفي ألمانيا، فإن 47% من اليهود يخافون من أن يكونوا ضحية للاسامية”.

ومع أننا، نحن الساميين، ضد “اللاسامية” تلقائيا، لا تزال إسرائيل تتاجر بأي مظهر “للاسامية” في العالم حتى لو استهدفنا نحن العرب وبالتالي تجيره لصالحها. فمثلا، في مقال للكاتب الإسرائيلي (افرايم غانور) يتحدث عن ضرورة قلق كل يهودي (فحسب) من “اللاسامية” المتصاعدة، ملخصا أسباب الارتفاع في مظاهر الكراهية لليهود (دون غيرهم متناسيا الإسلاموفوبيا التي تقتل المسلمين): “1) الشبكات الاجتماعية أصبحت سلاحاً يشعل نار اللاسامية في أرجاء العالم. 2) تأثير الكنيسة الكاثولوكية. 3) نظرة الدون لليهود في أوروبا. 4) الكثيرون يجدون صعوبة في قبول حقيقة أن اليهود أصبحوا من أصحاب المال والنفوذ في مجالات حياتية هامة. 5) الكراهية المتعاظمة في أوروبا تجاه الأجانب والشعوب الأخرى في أعقاب موجات اللاجئين والمهاجرين الذين أغرقوها في السنوات الأخيرة”. ويدعو (غانور) الحكومة الإسرائيلية إلى “التحرك الفوري وتشكيل وحدة سايبر خاصة ترد النار في الشبكة وتحبط النشاطات اللاسامية قبل تحول “اللاسامية إلى وباء”.

بالمقابل، يقول المحلل السياسي والأستاذ الجامعي الأمريكي (بيتر بينارت) في رده على كلمة (بنيامين نتنياهو) أمام رؤساء المنظمات اليهودية الأمريكية حين ساوى بين “معاداة الصهيونية” و”معاداة اللاسامية”: “الخلط بين الصهيونية والكراهية اليهودية هو خطأ مأساوي. معاداة الصهيونية ليست معادية للسامية بطبيعتها – وهي تستخدم معاناة يهودية لمحو التجربة الفلسطينية. نعم، معاداة السامية تنمو. نعم، يجب على قادة العالم محاربتها بشراسة. لكن محاربتها لا تكون عبر حماية اليهود فقط بل عبر عدم إيذاء الفلسطينيين (والعرب وغيرهم) أيضا”. وهذا هو الطرح الإنساني.