الأمريكيون إذ ينتقدون إسرائيل بشكل متزايد

في تطور لافت، لم تعد مواقف الأمريكيين تصب في خانة واحدة بشأن إسرائيل باعتبارها “واحة الديموقراطية وسط مستنقع عربي آسن!”. وفيما رآه البعض تصاعدا في العداء للدولة الصهيونية، اعتبره البعض الآخر مجرد رفض للسياسات الإسرائيلية ممثلة في احتلالها للأراضي الفلسطينية، وبنائها المستعمرات/ “المستوطنات” غير الشرعية، وحصارها لقطاع غزة. وفي مقال لكاتبة العمود الصحفي في “نيويورك تايمز” (ميشيل ألكساندر) تحت عنوان “كسر حاجز الصمت بشأن إسرائيل”، استخلصت الكاتبة: “هناك فهم يتعاظم يوما بعد يوم بأن انتقاد سياسات الحكومة الإسرائيلية وممارساتها لم يعد ضربا من معاداة السامية في حد ذاته على ما يبدو”. وأشارت: “إقدام عضوتين في الكونغرس الأمريكي (رشيدة طليب وإلهان عمر) على الإفصاح عن دعمهما لحركة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات على إسرائيل (بي، دي، إس)، وتغير مواقف الناخبين من الشباب الأمريكيين -ومن بينهم شبان يهود- نحو تأييد القضية الفلسطينية ما كان لهما أن يحدثا قبل سنوات قليلة”.

مؤخرا، نشر موقع “ذي إنترسبت” الأمريكي تقريرا جاء فيه: “ثمة مؤشرات توحي بأن هناك تحولا ربما بدأ يطرأ على نظرة الأمريكيين إلى دولة إسرائيل واحتلالها غير القانوني للأراضي الفلسطينية”. ويوضح “ذي إنترسبت”، من واقع استطلاعات للرأي أجريت مؤخرا، أن “الديمقراطيين والناخبين الأمريكيين الشبان -ومن ضمنهم ناخبون يهود- بدأوا يتبنون موقفا أكثر موالاة للقضية الفلسطينية، وليس له علاقة بما يسمونه العداء للسامية”. من جانبه، يعترف المعلق السياسي الأمريكي (مارك لامونت هيل)، الذي تعرض للطرد من العمل في شبكة “سي إن إن” الإخبارية بسبب إلقائه كلمة في الأمم المتحدة دعا فيها لإقامة دولة فلسطين “من النهر إلى البحر”: “في كلمتي بالمنظمة الدولية تجاوزت الخطوط الحمراء نظرا لأن إطارا ضيقا للغاية هو المسموح لنا بتناوله في الولايات المتحدة عن كل ما يتعلق بإسرائيل وفلسطين”. وفي السياق، أشار استطلاع حديث للرأي العام أجرته جامعة “ماريلاند” الأمريكية إلى أن “جوانب كثيرة من آراء الأستاذ هيل يشاركه فيها، على نطاق واسع، الكثيرون داخل الشعب الأمريكي – وأن هذه الآراء لا تعكس سلوكاً مناهضاً للسامية أو حتى معاد لإسرائيل”. كما بين الاستطلاع أن “40% من الأمريكيين يدعمون فرض عقوبات أو إجراءات أكثر صرامة إذا ما استمرت إسرائيل في توسيع مستوطناتها داخل الضفة الغربية”. ووما يلفت النظر في نتائج الاستطلاع، أن “36% ممن يدعمون حل الدولتين يميلون إلى اختيار حل الدولة الواحدة (35%) مع حقوق مواطنة متساوية فيما لو بات حل الدولتين غير ممكن”.

في السياق، قالت الكاتبة الأمريكية (شيريل غاي ستولبرغ) في مقال نشرته “نيويورك تايمز”: “لقد كشف الصراع حول طليب وإلهان عن انقسام جيلي متنام داخل الحزب الديمقراطي، حيث الحرس القديم هم من المؤيدين لإسرائيل، فيما الجناح الصاعد من الليبراليين الشباب – بمن فيهم العديد من الشباب اليهود – مستعدون لاتهام إسرائيل بانتهاكها لحقوق الإنسان بل والمطالبة بالتحرك لإقامة دولة فلسطينية. المخاطر التي يواجهها الحزب الديمقراطي واضحة ومرئية عبر المحيط الأطلسي. في أوروبا، تميل الأحزاب اليسارية إلى مغازلة الناخبين المسلمين مع تزايد المواقف المعادية لإسرائيل، في حين أن اليمين الشعبوي يستهدف اليهود ويقوّي حكومة إسرائيل اليمينية”. وتضيف: “تكمن المشكلة في أن منتقدي طليب وإلهان يدخلون مناطق خطرة من خلال الخلط بين معاداة الصهيونية والعداء لإسرائيل كدولة يهودية، مع معاداة السامية، والعداء تجاه اليهود”. وفي هذا قال (جيريمي بن عامي) رئيس منظمة “جي ستريت”: “طليب وإلهان تفتحان نقاشًا مطلوبًا تمامًا في السياسة الأمريكية، وتساعدان في جذب الحزب الديمقراطي أكثر نحو الرأي الذي نتنباه مع “اليهود الليبراليين الأصغر سنا” الذين يعتقدون أنه يمكنك أن تكون متعاطفاً مع إسرائيل وفي نفس الوقت تتعاطف مع محنة الشعب الفلسطيني”.

بطبيعة الحال، ينشط المدافعون عن إسرائيل لمواجهة الآراء الجديدة ويجندون كل طاقاتهم و”لوبياتهم” (داخل وخارج الإدارة الأمريكية الراهنة) لتأكيد الدعم غير المشروط للدولة الصهيونية وسياساتها. وما حدث مع النائب عن الحزب الديموقراطي (إلهان عمر) أكبر دليل على ذلك. فبعد تصريحها بأن “الدعم الأمريكي لإسرائيل وراءه أموال لجنة الشؤون العامة الأمريكية الإسرائيلية (إيباك)”، اتهمت “بمعاداة السامية” بل سارع الرئيس الأمريكي (دونالد ترامب) إلى مطالبتها بالاستقالة، فيما طالبتها رئيسة مجلس النواب الديموقراطية (نانسي بيلوسي) بالاعتذار على استخدامها “مصطلحات معادية للسامية”! ومع ذلك، جاء رد الفعل معاكسا، إذ أعرب مسؤولون وأعضاء في الحزب الديمقراطي عن دعمهم لـ (إلهان) التي وإن اعتذرت من اليهود الأمريكيين، لكنها أعادت التحذير من “أهمية عدم تجاهل أنشطة جماعات الضغط في السياسة الأمريكية”. بل إن البعض عاتب (إلهان) لعدم انتقادها إسرائيل بما يكفي، معلنين التضامن الكامل معها. ورأى الباحث اليساري الأمريكي (بارنابي راين)، في مقال بصحيفة “ذي غارديان” البريطانية: “تغريدات إلهان كانت بعيدة كل البعد عن الراديكالية. هي ليست معادية للسامية”، لافتا إلى أن (إلهان) “لم ترفع من سقف نقدها، و”الحقيقة العميقة” هي أن الولايات المتحدة تدعم إسرائيل، لأنها بمفهوم معين، هي ذاتها إسرائيل”.

إذن، هي، فعلا، مرحلة غير مسبوقة هذه التي نعيشها، ذلك أن باب انتقاد “إسرائيل” ورفض سياساتها بقوة بات مفتوحا في الولايات المتحدة.

Dr.asad

كاتب وباحث عربي، ومحلل سياسي مختص في القضايا الفلسطينية وشؤون الصراع العربي الإسرائيلي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى