كيف، ولماذا، تعاظم إرهاب المستعمرين/ “المستوطنين” اليهود؟
لم يعد إرهاب المستعمرين/ “المستوطنين” غريبا على الفلسطينيين والعالم، فهم يواصلون الاعتداء على ممتلكات الفلسطينيين وتنفيذ الجرائم بالضفة الغربية المحتلة. بل إن ارتفاع عدد مقارفات هؤلاء المستعمرين تواكبت مع زيادة في وحشية الجرائم التي لم يسلم منها الإنسان والأرض والممتلكات. ولقد أظهرت معطيات الأجهزة الأمنية التابعة للاحتلال الإسرائيلي ارتفاعا حادا في الجرائم التي ترتكبها المجموعات الإرهابية اليهودية في الضفة خلال عام 2018، وسط تقديرات بأن تترجم هذه الاعتداءات إلى جرائم مثيلة بـ”محرقة دوما” (التي راح ضحيتها عائلة دوابشة في قرية دوما، بمحافظة نابلس في تموز/ يوليو عام 2015). وبحسب الصحافة الإسرائيلية، تتم هذه الجرائم، على أيدي جماعات إرهابية يهودية قوامها المستعمرون الشبان الذين ينشطون ضمن مجموعات/ تنظيمات: “تدفيع الثمن”، و”التمرد”، و”شبيبة التلال”، و”شبان مستوطنة يتسهار”.
لقد أكد التلفزيون الرسمي الإسرائيلي تصاعد أعمال ناشطي اليمين وسط “تحذيرات جهات أمنية إسرائيلية من التصعيد في الضفة على ضوء هذه الجرائم”. وقال مصدر أمني للتلفزيون أن “ردع هؤلاء انخفض بشكل ملحوظ مما كان عليه خلال العامين الماضيين، حيث باتت تجرؤ على ممارسة نشاطاتها العدائية على مشارف القرى الفلسطينية المحيطة”. وقال المسؤول إنه إذا استمرت موجة التصعيد “فسوف نصل إلى حدث له نتيجة قاتلة، كتلك التي شاهدناها في دوما”، في إشارة إلى جريمة حرق عائلة دوابشة. ومن جهته، كتب المحلل العسكري الاسرائيلي (عاموس هرائيل) يقول: “لقد شهد العام 2018 ارتفاعا حادا في حالات الجريمة اليهودية على خلفية قومية، وتم تسجيل 482 حادثة خلال 2018، مقابل 140 حادثة خلال العام 2017″، أي أن الجرائم اليهودية على “خلفية قومية”، زادت بنسبة 3 أضعاف خلال 2018 عن 2017. وقد تجسدت هذه المقارفات في حالات الاعتداء بالضرب على فلسطينيين، ومداهمة القرى الفلسطينية ليلا، والاعتداء على الممتلكات الزراعية، والسيارات، والمساجد والكنائس، وقطع أشجار، وكتابة التهديدات والشعارات العنصرية على جدران منازل الفلسطينيين، وإطلاق الرصاص الحي نحو المنازل، بل إن الأمر وصل إلى توزيع منشورات تحريضية تدعو لقتل الرئيس الفلسطيني. وفي السياق، أشارت صحيفة “يديعوت أحرونوت” إلى دور حاخامات في الصهيونية الدينية و”إصدارهم فتاوى هدفها دعم مستوطنين متطرفين” مثل (مئير إتينغر) حفيد الحاخام الفاشي (مئير كهانا)، و(دوف ليئور) كبير الحاخامات المتطرفين في الصهيونية، و(يهوشع مردخاي شميدن)، وآخرون معروفون بدعمهم للإرهاب اليهودي ضد الفلسطينيين، بل إنهم هاجموا “الشاباك” (جهاز الأمن العام الإسرائيلي) بادعاء “تعذيب خمسة فتية (يهود) معتقلين بتهمة إرهاب وقتل فلسطينيين.
على صعيد متمم، وبحسب التلفزيون الرسمي الإسرائيلي فإن “محاكم الاحتلال رفضت، خلال العام الماضي، تمديد اعتقال ناشطي اليمين المتطرف وطلبات استصدار أوامر إبعاد عن الضفة الغربية لنشطاء من المستوطنين، ما يحفزهم على مواصلة أعمالهم العدائية، ما أدى إلى تآكل حالة الردع، مع تأكيد تغاضي قيادات المستوطنات عن الجرائم بل ومساعدة (العصابات) في بعض أعمالهم العدائية”. وفي السياق، بات معروفا، أن غالبية من يتم اعتقالهم على خلفية ارتكاب جرائم ضد الفلسطينيين، يتم الإفراج عنهم خلال أيام. وبعبارات تقرير صحيفة “هآرتس”، فإن: “سلطات إنفاذ القانون الإسرائيلية ضعيفة في تنفيذ القانون عندما يتعلق الأمر بهجمات المستوطنين، وعادة ما يطلق سراح المشتبه بهم سريعا، ولا تتم محاكمتهم لاحقا”. من جانبه، نقل (يوآف ليمور) المحلل العسكري في صحيفة “إسرائيل اليوم” تحذير عناصر أمنية إسرائيلية رفيعة المستوى من احتمال حدوث تصعيد في عمليات الإرهاب اليهودي، ناقلا عن هذه العناصر: “ناشطو اليمين المتطرف يتملكهم شعور قوي بأنهم يقدرون على الدولة ولا يمكن هزمهم (وبالتالي) قد ينتهي الأمر بإراقة الدماء وبقلب الوضع القائم في الضفة الغربية رأساً على عقب”. وأوضح (ليمور) “في العام 2018 ارتكب نشطاء المستعمرين 42 عملية استهدفت بصورة مباشرة قوات الأمن الإسرائيلية مقارنة بـ14 عملية كهذه ارتُكبت في 2017، وهو ما يعني ارتفاعاً بنسبة 300%”.
يتحول إرهاب “المستوطنين” إلى منظومة متكاملة، ممأسسة في المستعمرات/ “المستوطنات”، من شمال الضفة إلى جنوبها، بإشراف ودعم وتمويل اليمين الحاكم في إسرائيل. وقد باتت هذه المنظومة حاضرة، بل وعلنية، من خلال مقارها الخاصة ومدارسها الدينية المتطرفة وميادين التدريب، مدعومة بسند قوي من فتاوى الحاخامات المتطرفين التي تجيز لهم قتل الفلسطينيين، واستهداف ممتلكاتهم، فيما القانون والقضاء الإسرائيليين يرعيان ويحميان مجموعات القتلة من المستعمرين/ “المستوطنين” الذين ينشرون القتل والدمار والخراب في ظل حكومة يمين متطرف فاشية تدعم جرائم هؤلاء “المستوطنين” الذين يقارفون ممارساتهم الهمجية على مرأى ومسمع من جيش الاحتلال الأمر الذي عرض هذا الأخير للنقد من أوساط إسرائيلية متنامية.
باختصار، ما كان إرهاب المستعمرين/ “المستوطنين” آنف الذكر ليكون لولا ظهور مضامين التحول الفاشي العنصري المتنامي في إسرائيل، حكومة ومجتمعا، وكذلك في مواقف حاخامات ووزراء وأعضاء كنيست، شكلوا جميعا – معا – “الحاضنة” و”الدفيئة” لنمو هذه العصابات.