«زهرة المدائن»: حصاد العام 2018

«النظام» القائم حاليا، على امتداد فلسطين التاريخية، تتوفر فيه جميع مواصفات نظام الفصل العنصري «الأبارتايد»، بل إنه أكثر ما يذكرنا في ممارساته العنصرية، بمقارفات نظام الفصل العنصري البائد في جنوب أفريقيا. وإن كان هذا «النظام» واضحا وضوح الشمس في أراضي احتلال 1967 فإنه مستتر في أراضي احتلال 1948، وتجده في القدس يجمع بين النوعين، فمنها الواضح من المقارفات ومنها المبطن.

لقد عانت القدس، في العام المنصرم 2018، معاناة متواصلة ومضاعفة وذلك بغطاء أمريكي كامل وشامل. فقد تم نقل السفارة الأمريكية إلى «زهرة المدائن»، فيما اقتحم أكثر من 28 ألف مستعمر/ «مستوطن» المسجد الأقصى وهو الرقم الأعلى منذ احتلال المدينة في العام 1967، علاوة على قرار المحكمة العليا الإسرائيلية السماح للمستعمرين/ «المستوطنين» بأداء صلواتهم في الأقصى، مع استمرار الحفريات تحت مباني المسجد المبارك! وفيما جرى هدم أكثر من 145 مبنى فلسطينيا في المدينة بداعي «البناء غير المرخص»، صادقت حكومة اليمين الإسرائيلي المتطرف على مخططات لبناء (5820) بؤرة «استيطانية» جديدة في المدينة.

لقد استغلت حكومة اليمين المتطرف الغطاء الأمريكي فشددت قبضتها على المدينة، وتمادت في انتهاكاتها ضد المقدسيين على كل الصعد. وهذا التواطؤ الأمريكي منح الاحتلال الإسرائيلي الضوء الأخضر، فتوسع في إجراءات منع أي نشاطات فلسطينية في المدينة بذرائع مختلفة، إضافة الى محاولة بلدية الاحتلال إلغاء مسؤولية وكالة هيئة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين «الأونروا» عن مخيم شعفاط–المخيم الوحيد للاجئين في القدس. وقبل أيام قليلة فقط، جاء افتتاح شارع «4370» في القدس الذي يطلق عليه «شارع الأبارتايد»، لكونه يفصل بين السائقين والركاب الفلسطينيين وبين السائقين والركاب من المستعمرين/ «المستوطنين». وبحسب تقرير نشرته صحيفة «هآرتس»، فإن الحاجز سيمنع فلسطينيي الضفة الغربية من الدخول إلى القدس. وبالنتيجة، سيضطر السائقون الفلسطينيون للسفر من الشارع حول القدس من جهة الشرق، دون السماح لهم بدخولها». وهذا الشارع يأتي ضمن الترتيبات «الاستيطانية» الرامية إلى توسيع حدود بلدية القدس لكي تصبح 10% من مساحة الضفة، وبما يغير من واقعها الديمغرافي لصالح «المستوطنين»، وهو ضمن خطة «القدس 2050» التي تتضمن إقامة ما يعرف بـ”القدس الكبرى»، بحيث يضمن تنفيذ المخطط الاستيطاني (E1) الذي يهدف إلى ربط القدس بعدد من المستعمرات الواقعة شرقها في الضفة مثل «مستوطنة معالي أدوميم»، وذلك من خلال مصادرة أراض فلسطينية بالمنطقة وإنشاء «مستوطنات» جديدة.

ها هو العام 2019 يبدأ، والقدس تحيطها مشاريع التهويد والاستعمار/ «الاستيطان» من كل جانب، مع سعي حثيث من حكومة الاحتلال لترسيخ التقسيم المكاني والزماني للقدس، ومتابعة تنفيذ مخططات «القدس العاصمة الأبدية» للكيان الصهيوني، وإتمام إجراءات نقل السفارة الأمريكية، فيما العمل متواصل على حث دول أخرى على نقل سفاراتها إلى القدس. وبذلك، تئن زهرة المدائن وهي تدخل عاما ربما يكون الأصعب في تاريخها. فهل ينفتح «باب الفرج» على «عروس العروبة» بعبارات الشاعر مظفر النواب، أم يستمر تدفق «زناة الأرض» إلى غرفتها؟!

Dr.asad

كاتب وباحث عربي، ومحلل سياسي مختص في القضايا الفلسطينية وشؤون الصراع العربي الإسرائيلي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى