الأحدث في مسيرة “حركة مقاطعة إسرائيل”
أضحت حركة “المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات على إسرائيل (بي دي إس)BDS ” شكلاً حاضرا من أشكال مقاومة الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية، والنضال دفاعاً عن الحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني. فهذه “الحركة”، التي انطلقت عام 2005 من صلب العمل الأهلي في فلسطين وتوسعت لتشمل عدداً متنام من بلدان العالم، تلعب اليوم دوراً مهماً على الساحة الفلسطينية والدولية، إذ هي نجحت، خلال السنوات الماضية، في تسليط الضوء على انتهاكات الاحتلال الإسرائيلي بحق الفلسطينيين، واستطاعت تعبئة شرائح واسعة من الرأي العام العالمي في الدعوة إلى مقاطعة إسرائيل وسحب الاستثمارات منها وفرض العقوبات عليها، وهو ما اعتبرته الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة “خطراً استراتيجياً”، بل إن “الكنيست الإسرائيلي” (البرلمان) أصدر قانونا يمنع بموجبه دخول نشطاء الحركة إلى إسرائيل وأدرجهم في قائمة سوداء.
وحركة مقاطعة إسرائيل لا تعمل في المجال الاقتصادي فقط، بل في كافة المجالات. فأمام الضغط الشعبي والسياسي، ألغت الأرجنتين اللقاء الودي التحضيري لمنافسات كأس العالم في روسيا 2018 والذي كان من المقرر أن يجمع بين المنتخب الأرجنتيني ونظيره الإسرائيلي في القدس بعد جملة احتجاجات واسعة وانتقادات حادة لحملة القتل التي شنها جيش الاحتلال على غزة، وحديثا قيام المغنية الأمريكية (لانا دل راي) بإلغاء عرضها في إسرائيل بسبب “عدم قدرتها على الموازاة وإقامة عرض أمام محبيها في فلسطين إلى جانب عرضها في إسرائيل”. ومع مراكمة مثل هذه النجاحات الرياضية والثقافية هنا وهناك، تنشط “حركة المقاطعة” بالأساس في مواجهة الشركات العالمية التي تساعد وتساند إسرائيل في انتهاكاتها لحقوق الإنسان الفلسطيني، بما في ذلك التعاقد مع جيش وحكومة الاحتلال، أو العمل في المستعمرات/ المستوطنات، أو التورط في جرائم الاحتلال والأبارتايد. ومع أن حملات المقاطعة نجحت خلال سنوات في إجبار شركات كبرى على سحب استثماراتها في المشاريع الإسرائيلية كليا، وأدت إلى سحب مجموعة واسعة من المستثمرين لاستثماراتهم من الشركات الإسرائيلية، وكذلك من الشركات العالمية المتواطئة، إلا أن إعلان سابع أكبر بنك بالعالم، بنك (HSBC) البريطاني سحب استثماراته بالكامل من شركة “إلبيت” الإسرائيلية (Elbit systems)، والتي تعد أكبر شركة تصنيع أسلحة إسرائيلية خاصة تروج لأسلحتها الـ”مجربة”، بسبب استخدامها ضد الفلسطينيين في قطاع غزة، يعد أحد أكبر الإنجازات في تاريخ الحركة منذ تأسيسها. و”يأتي هذا النجاح بعد حملة شعبية واسعة طالبت البنك البريطاني بإنهاء دعمه المالي للجيش الإسرائيلي، بقيادة مؤسسة (War on Want)، وحملة التضامن الأكبر (Palestinian Solidarity Campaign)، وغيرهما، وبدعم شعبي بريطاني ضخم، حيث تلقى بنك (HSBC) رسائل من آلاف الأشخاص تطالبه بوقف التربح من الاحتلال الإسرائيلي. كما شهد البنك احتجاجات شهرية أمام 40 فرعاً محليا للبنك في المملكة المتحدة، فضلا عن حملة إعلامية واسعة عبر وسائل التواصل الاجتماعي”. وقد تعهدت الحركة “بمواصلة الحملات ضد البنك حتى يسحب جميع استثماراته من 12 شركة أخري تبيع المعدات والتكنولوجيا العسكرية لإسرائيل والتي من أهمها شركة (BAE Systems)، بالإضافة الي شركة (Caterpillar) التي تستخدم جرافاتها في هدم المنازل والممتلكات الفلسطينية”.
هذه الإنجازات المتلاحقة “للحركة” جاءت رغم الحملة الشرسة التي تقودها وزارة الشؤون الاستراتيجية (وزارة المقاطعة) الإسرائيلية، ومحاولاتها المستميتة لتبييض وجه إسرائيل. وقد خصصت وزارة الخارجية الإسرائيلية ملايين الدولارات لتحسين صورة إسرائيل في الخارج بعد تضررها بفعل نشاطات حركة المقاطعة. وفي السياق، أكدت دراسة إسرائيلية أعدها الباحث (نتان ترول) أن “حركة المقاطعة أغضبت إسرائيل وعقّدت مكانتها وخاصة في الولايات المتحدة، وأحرجت بعض الدول العربية في توجهها نحو التطبيع، مثلما أحرجت السلطة الفلسطينية بملف التعاون الأمني”. وأضافت الدراسة أن حركة المقاطعة “أسهمت في تغيير بيئة الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، إلى جانب أنها قلصت قدرة إسرائيل على الاستفادة من التحولات الإقليمية، وأضرت بعلاقتها مع يهود العالم”. وكم من مرة، انبرى نائب الرئيس الأمريكي (مايك بينس) وغيره من المسؤولين الأمريكيين للدفاع عن إسرائيل. وتجلت وجهة النظر المقابلة في مقال بعنوان “رعب الـ “بي دي اس” حيث كتب (يولي نوفيك): “غول الـ بي.دي.اس هو أحد المنتوجات الفاخرة لحكومة إسرائيل. فقد تحولت حركة احتجاج فلسطينية شرعية غير عنيفة إلى مؤامرة لاسامية. كيف حدث أن سارعنا إلى ابتلاع الطعم الذي يخدم فقط من يريد الحفاظ على نظام الاحتلال والأبرتايد في إسرائيل؟. وكل تعبير تأييد لحركة بي.دي.اس يتم تصويره على أنه لاسامية”. ويختم: “حركة المقاطعة تمثل صورة من النضال غير العنيف لشعب موجود تحت الاضطهاد، وضد النظام الذي يضطهده”.
ختاما، حركة المقاطعة هذه هي في حالة نمو كبير في الخارج، وثابت أنها حققت كثيرًا من الانجازات في مجالات اقتصادية وثقافية وعسكرية، لكن يبقى أن المطلوب فلسطينيا وعربيا وإسلاميا لدعم أهداف وجهود هذه “الحركة” ما يزال دون المستوى بكثير!!!