كيف، ولماذا، يقدم “المتمسيحون الصهيونيون” الدعم لإسرائيل؟

في سياق استغلال الدين لدعم الاستعمار/ “الاستيطان” اليهودي في فلسطين، استندت الدولة الصهيونية إلى قراءة شاذة للتوراة بادر إليها الأفنجيكاليون وهم إنجيليون متصهينون همهم تبرير “الفكر الداعشي” المستجد سواء كان يهوديا أو “متمسيحا” (ليس مسيحيا حقا)، للتخلص من الشعب الفلسطيني وحقوقه ولدعم الدولة الصهيونية بشتى الوسائل.

وفي موضوع الدعم للدولة الصهيونية، هنالك مصدران من الدعم، أولهما، بل وأخطرهما، الدعم الذي يقدمه “المتمسيحون الصهاينة” من خلال هيمنتهم على القرار في الولايات المتحدة الأمريكية، ذلك أنه ما من مرشح للرئاسة الأمريكية أو رئيس إلا ويحتاج إلى أصواتهم أو هو عيناه عليها. ولعل أسطع مثال على ذلك هيمنة هؤلاء على إدارة الرئيس (دونالد ترامب) حيث أن عددا من قادة/ أشد أنصار “الفكر المتمسيح الصهيوني” يتصدرون هذه الإدارة، يقودهم نائب الرئيس (مايك بنس) “الإنجيلي”، المدافع الشرس عن إسرائيل، وكذلك اليهودي المتشدد (جيسون جرينبلات) مبعوث الرئيس الأمريكي والمسؤول عن خطة السلام الأمريكية بين الفلسطينيين والإسرائيليين، والذي ورغم أن منصبه الدبلوماسي الرفيع يحتم عليه إظهار نوع من الحيادية فإنه دائم الإنحياز لإسرائيل، وكذلك السفير في تل أبيب (ديفيد فريدمان)، اليميني المتحمس للاستعمار/ “الاستيطان”، والمؤيد الأكبر لنقل السفارة الأمريكية للقدس والتي يعتبرها العاصمة الموحدة للكيان الصهيوني، وليس آخرهم اليهودي المتدين (جاريد كوشنر) كبير مستشاري الرئيس (ترامب) وصهره المسؤول عن شؤون الشرق الأوسط، وهؤلاء كلهم “ليكوديون متطرفون” أكثر من “الليكود” نفسه حيث تبنوا ودعموا برامجه الموغلة في التطرف.

أما ثاني هذه المصادر فهي الدعم المباشر من قبل منظمات أمريكية. فمنذ ثمانينيات القرن الماضي، تصدر اليمين الإسرائيلي المتطرف عملية إنجاز هذه المهمة متناغما مع بروز حركة “المتمسيحين الصهاينة”، وبالذات بعد أن تنامى الدعم السياسي والمالي من هؤلاء، للمشروع الصهيوني “الأقصوي” القاضي باستعمار/ “استيطان” فلسطين التاريخية. ومن أبرز هذه المنظمات “الأفلنجيكية” المسجلة أمريكيا، الداعمة ماليا وسياسيا: “الأصدقاء المسيحيون للجماعات الإسرائيلية (CFOIC)، وصندوق الخليل، والسفارة المسيحية الدولية في القدس (ICEJ)، والمسيحيون المتحدون من أجل إسرائيل (CUFI). ومن جهتها، نشرت صحيفة “هآرتس” تقريرا جاء فيه أن “11 منظمة إنجيلية أمريكية جمعت مبلغًا يتراوح ما بين 50- 65 مليون دولار أمريكي في السنوات العشر الماضية، من أجل تمويل مشاريع استيطانية مختلفة في الضفة المحتلة”. وختمت “هآرتس” تقريرها: “الإنجيليون يؤيدون بحماسة المطالبات اليهودية بضم الضفة الغربية بأكملها، ويرون أنه من الضروري سيطرة إسرائيل على القدس وكل أرض الميعاد، مما سيُعجل في حرب هرمجدون (المعركة المنتظرة من قبل كثيرين والتي تعجل في ظهور المسيح)”.

من جهته، يكشف الكاتب الإسرائيلي (جودي ميلتس) حقيقة متممة “مفزعة” فيقول: “من الصعب تقدير حجم الدعم المالي للإنجيليين، حيث أن مؤسسات غير ربحية وكنائس مسجلة في الولايات المتحدة لا يطلب منها إعطاء تفاصيل عن مصادر تمويلها، أو توضيح لمن تصل هذه الأموال. جزء كبير من إجمالي الاستثمارات الإنجيلية في إسرائيل يصل إلى المستوطنات وراء الخط الأخضر، ومن يستفيدون من ذلك هم المجالس المحلية، جمعيات يمينية، مستوطنات معزولة وغير قانونية، ووكالات سفر متخصصة بإجراء جولات في المستوطنات. المنظمات الرئيسية التي تعمل على تجنيد الأموال من الإنجيليين تزداد، والمزيد من مبادراتها تدخل إلى حيز التنفيذ”. أما البروفيسور من معهد بيركلي للقانون اليهودي والدراسات الإسرائيلية (تومر برسيكو) فيقول: “معظم حاخامات المستوطنين تبنوا الصداقة والتعاون مع الإنجيليين، فهناك معارضة مشتركة لانسحاب إسرائيل من الضفة المحتلة، ووجهة نظر محافظة مشتركة في كل ما يتعلق بالعلاقة بين الجنسين، حقوق المثليين والأقليات، ومكانة الدين والقومية في المجال العام”. ويضيف “في الحقيقة معظم الإسرائيليين الصهاينة والمتدينين يظهرون الآن مثل الجمهوريين الإنجيليين. والإنجيليون يؤيدون بحماسة المستوطنين ومطالبة اليهود بجميع الضفة الغربية لأنه بالنسبة لهم “من الضروري أن تسيطر إسرائيل على القدس وعلى كل أرض الميعاد، من أجل قدوم المسيح الذي يتطلعون اليه”. وبالطبع، المستوطنون لا يؤمنون بذلك، لكنهم يستغلون بسعادة إيمان الإنجيليين هذا”.

إن استيلاء الأفنجيليكيين/ المتمسيحين الصهاينة، من خلال أفكارهم وأنشطتهم ورجالهم، على جزء مهم من القرار الأمريكي وبالذات في عهد الرئيس (ترامب) يؤشر على حجم الدعم العسكري/ الاقتصادي/ السياسي/ الإعلامي الأمريكي المتنامي المقدم لحكومة اليمين المتطرف الإسرائيلي. ووما لا شك فيه أن هذا هو الدعم الأشمل والأكبر والأخطر. لكن داخل هذا “الإطار الواسع” ينتظم دعم المنظمات “الإنجيلية” لإسرائيل. وكلما اتجهت إسرائيل يمينا، على المستويين القومي والديني، ازداد دعم هذه المنظمات التي تستهدف تعزيز الاستعمار/ “الاستيطان” على امتداد ما يسمونها “أرض إسرائيل الكبرى”، وبالتالي تصاعد دور الأصولية الدينية والإلتزام الأيديولوجي الأقصوي بينهما، الأمر الذي يدفع الصراع الصهيوني/ اليهودي/ الإسرائيلي – العربي/ الإسلامي/ الفلسطيني إلى حرب دينية لا يعرف أحد متى تبدأ… ولا متى تنتهي!