هل ينفض أبناء الضفة الفلسطينية غبار الهدوء القهري؟
بعيدا عن العوامل الموضوعية التي تساق لتفسير عدم اتساع وديمومة المقاومة الشعبية والمسلحة في مدن الضفة الغربية، رغم صوابيتها بالمجمل، إلا أن الواقع المقاوم في الضفة المحتلة اليوم يبدو مغايرا بحيث أدى إلى تصاعد تحذيرات عديد القادة العسكريين والباحثين الإسرائيليين من تكرار العمليات المسلحة مع انفلات أمني لن تستطيع إسرائيل تحمل تكاليفه الباهظة. وقد شهدنا جيش الاحتلال وهو يعيد “رسميا” احتلال مدن الضفة الغربية، فيما طالب وزراء من حزب “الليكود” الحاكم وتحالف أحزاب المستعمرين/ “المستوطنين” بإنزال ضربات أشد على الشعب الفلسطيني في الضفة، على كافة المستويات، وبشكل خاص تفعيل، بل زيادة، العقوبات الجماعية. وفي الأثناء، تواصل حكومة رئيس الوزراء (بنيامين نتنياهو) عملها في المصادقة على المزيد من المشاريع الاستعمارية/ “الاستيطانية” وتثبيت و”شرعنة” عشرات من البؤر غيرها، والإسراع في هدم منازل المقاتلين الفلسطينيين، بل وترحيل عائلاتهم.
وقد بين تقرير أصدره “مركز القدس للدراسات الاسرائيلية” حول عمليات المقاومة في الضفة أن “المقاومة نفذت خلال الأشهر العشرة الأولى من عام 2018 ما مجموعه 40 عملية إطلاق نار، و33 عملية طعن ومحاولة طعن، و15 عملية دهس ومحاولة دهس، و53 عملية إلقاء أو زرع عبوات ناسفة، و262 عملية إلقاء زجاجات حارقة. وهذه العمليات أدت لمقتل 11 إسرائيلياً، وجرح 159 آخرين، كما رصد نحو 3400 عمل مقاومة شعبية بأشكالها المختلفة”. وأضاف التقرير: “عدد القتلى أكبر من كل من جبهة غزة والجبهة الشمالية”. وبحسب التقرير، قال ضباط كبار في “قيادة المركز” في جيش الاحتلال إن “رغبة الفلسطينيين في تنفيذ عمليات في الضفة الغربية تتصاعد بشكل ملموس في الفترة الأخيرة، ونجاح بعض العمليات يعتبر مصدر استلهام لتنفيذ عمليات أخرى”. وبحسب تقرير نقلته “هآرتس” على لسان ضابط كبير بالجيش، فإن الأجهزة الأمنية للاحتلال “قلقة من النجاح المتصاعد في تنفيذ عمليات، ونقل ساحة النشاط من قطاع غزة إلى الضفة الغربية. ففي تشرين الثاني/ نوفمبر لوحده نفذت أربع عمليات ومحاولات تنفيذ عمليات”.
وعلى نحو متمم، يشير محللون إلى خطورة العمليات الأخيرة في الضفة، معتبرين أنها “تكشف عن خلل استخباراتي في أجهزة الاحتلال”. وفي هذا الشأن، قال المحلل العسكري في صحيفة “هآرتس” (عاموس هارئيل): “قادة الأجهزة العسكرية والاستخباراتية، ما زالوا يعارضون فرض العقوبات الجماعية على الجمهور الفلسطيني الواسع. كما أن لدى الجيش موقف منذ العام 2005، بأن هدم بيوت المقاتلين ليس رادعا لهم، بل يزيد النقمة لدى أبناء عائلاتهم والفلسطينيين بشكل عام”. ويقول (هارئيل): “هذه العمليات تشير الى فجوة استخبارية وتدني مستوى الاستعداد لدى القوات”. من جانبه، قال المحلل العسكري في صحيفة “يديعوت أحرنوت” (أليكس فيشمان): “قوة العمليات وتعددها، كشفت فشلا لدى جيش الاحتلال. فدائرة الحراسة الجسدية هي خط الدفاع الأخير الذي يفترض أن تتحطم عليها خلايا (المقاومة) بعد ان تتملص من دائرتي الاستخبارات والاحباط الهجومي، غير ان دائرة الحراسة هذه فشلت على الاقل في ثلاثة احداث مختلفة على الأقل”.
هذا الحال، دفع مفكرين/ باحثين استراتيجيين لقراءة المشهد واستخلاص العبر. وفي السياق، أكدت دراسة حديثة لأحد أهم المعاهد في إسرائيل “معهد أبحاث الأمن القومي”، أكد الباحثان في “المعهد” (أودي ديكل) والدكتور (كوبي ميخائيل) إنه “حتى لو نجح الجيش الإسرائيلي في قمع “تفجر المقاومة” في الضفة، فإن الأحداث الأخيرة تشكل “أضواء حمراء” للحكومة الإسرائيلية بشأن “الحاجة إلى تغيير النموذج القائم الذي يغيب عنه العمل السياسي وأنه ثمة حاجة إلى نموذج معدّل”، محذرين من أن “الفراغ السياسي يسمح لقادة المستوطنين بممارسة ضغوط على الحكومة من أجل تنفيذ خطوات، مسرّعة للضم، وتمس بنسيج حياة معقول للسكان الفلسطينيين في المنطقة وبنوعية التنسيق مع أجهزة الأمن في السلطة الفلسطينية”. وقد طرح الباحثان ما أسمياه “خريطة طريق إستراتيجية”: “1) الحفاظ على حرية العمل الأمني (الإسرائيلي) في المنطقة كلها من خلال تقليص ملموس لاحتمال الاحتكاك مع السكان الفلسطينيين؛ 2) استمرار التعاون (التنسيق) الأمني مع أجهزة الأمن الفلسطينية والمساعدة على تحسين قدرة السلطة الفلسطينية على الحكم؛ 3) طرح أفق سياسي (من خلال) الاستعداد للدخول إلى مفاوضات مع السلطة الفلسطينية حول تسويات مرحلية والبدء في قضايا قابلة للحل وتطبيق فوري لتفاهمات؛ 4) مساعدة إسرائيلية لجهود دولية وإقليمية لإعادة إعمار قطاع غزة، شريطة تنفيذها من خلال السلطة الفلسطينية مع استئناف سيطرتها في القطاع”.
تأبى إسرائيل الاقتناع أنه، في ظل الهجمة الاستعمارية/ الاستيطانية التي تأكل الأرض كما الجراد، لم يعد للفلسطينيين من خيارات أخرى، وأن “الهدوء ما قبل العاصفة” قد لا يطول، وأن أبناء الضفة الغربية – رغم كل المعيقات الموضوعية – لربما انتفضوا على نحو ينفض غبار الهدوء.