هل الكفاح السياسي والشعبي… عبثي؟

في أيام خلت، كان التنظيم الفلسطيني الذي لا يعتمد الكفاح المسلح في برنامجه ينظر إليه بعين الريبة، باعتبار أن البندقية وفقط البندقية هي الطريق لتحرير فلسطين. في تلكم الأيام كانت هذه الأطروحة متفقا عليها حتى ضمن البعض غير القادر على ممارسة الكفاح المسلح. أما اليوم، فكثير من الفلسطينيين يدركون– علنا أو في أعماقهم – أن النضال الشعبي السلمي الفلسطيني (بكافة مكوناته) هو عنوان المرحلة، كونه يأتي في ظل اختلال واضح في ميزان القوى مع العدو وحلفائه، ولأنه أيضا يستنزف إسرائيل سياسيا وإعلاميا وأخلاقيا ويدينها أمام العالم لاستمرار الاحتلال، ولاستخدامها القوة المفرطة بوجه المدنيين العُزل، ويجعل ردود فعلها العنيفة والدموية مثار تنديد على الساحة الدولية.

هناك حقائق ومكاسب لا يمكن تجاهلها رسخها النضال السلمي الشعبي الفلسطيني، مع أن نتائجها النهائية ما زالت مرتهنة بإدراك القوى الوطنية الفاعلة كيفية استثمارها. ولعل أبرز هذه الحقائق/ المكاسب أن القضية الفلسطينية – رغم كل المحبطات- حية في وجدان وعقول الفلسطينيين، إضافة إلى عودة القضية الفلسطينية “المهمشة” إلى صدارة أجندة الاهتمام الإقليمي والدولي. ولقد تمثل ذلك مؤخرا في عديد القرارات الصادرة عن الأمم المتحدة، لن يكون آخرها “انتصار بطعم المرارة” قضى بوقف القرار الأمريكي الإسرائيلي الذي يصنف حركة حماس – والمقاومة من ورائها – كمنظمة إرهابية والذي كان في حقيقته مشروعا يهدف إلى تصفية القضية. ثم، بعد 24 ساعة فقط تبنت الجمعية العامة للأمم المتحدة، وبأغلبية ساحقة، قرارات واضحة ومهمة لصالح فلسطين بخصوص: الممارسات الإسرائيلية التي تمس حقوق الإنسان للشعب الفلسطيني في الأرض الفلسطينية المحتلة بما فيها القدس الشرقية، وعدم شرعية المستعمرات/ “المستوطنات” في الأرض الفلسطينية المحتلة بما فيها القدس الشرقية، تطبيق اتفاقية جنيف المتعلقة بحماية المدنيين وقت الحرب المؤرخة في 12 آب/ أغسطس 1949 علـى الأرض الفلسطينية المحتلة بما فيها القدس الشرقية والأراضي العربية المحتلة الأخرى، واعتماد أعمال اللجنة الخاصة المعنية بالتحقيق في الممارسات الإسرائيلية التي تمس حقوق الإنسان الفلسطيني وغيره من السكان العرب في الأراضي المحتلة، وممتلكات اللاجئين الفلسطينيين والإيرادات الآتية منها، وعمليات وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في الشرق الأوسط (أونروا)، ومهجري 1967، وتقديم المساعدة إلى اللاجئين الفلسطينيين.

صحيح أن هنالك من لا يرون أي شكل آخر صالح من أشكال الكفاح، ويصرون على أن المقاومة المسلحة هي “الطريق الأوحد” للكفاح، باعتبار أن لا قيمة للقرارات الدولية لأن الكثير منها لم يتحقق، لكن حقيقة الأمر تتجلى في أن للقرارات الدولية الأثر المهم في ظل النضال الدبلوماسي والسياسي الفلسطيني اليوم، وهذا ما يؤكده كتاب إسرائيليون، حيث كتب (ليلاخ سيغان) يقول: “السؤال هو ما الذي يفترض بإسرائيل أن تفعله؟ فهمنا منذ زمن بعيد بأن الأمم المتحدة لن تأتي لنا بأي خلاص. كان يفترض بهدية الوداع من سفيرة الولايات المتحدة في الأمم المتحدة نيكي هيلي لإسرائيل أن تكون التنديد بحماس. يبدو مفهوما من تلقاء ذاته أن الأمم المتحدة ستندد بمنظمة الإرهاب، ولكن يتبين أنها لا تفعل. “الوضع” هو بالإجمال معطيات أولية. فمنذ سنين غير قليلة كل ما تفعله إسرائيل هو الشكوى بين الحين والآخر من المشكلة”. من جانبه تحدث الكاتب الإسرائيلي المتخصص في الشؤون الدبلوماسية (شلومو شامير) عن تأثيرات التصويت في الأمم المتحدة، قائلا: “من جهة إسرائيل فإن هذا الفشل الأممي في إدانة حماس مخيب للآمال، رغم أن الإدانة لم تكن لتؤدي لحدوث تغيير في التعامل الدولي مع حماس على الأرض”. وأضاف: “لا يجب إبداء مزيد من العصبية والغضب من نتيجة التصويت، لأن هذه الأمم المتحدة المعادية لإسرائيل، وستبقى الأمم المتحدة هكذا، ولن تتغير، فالمنظمة كانت وستظل ساحة مناهضة لنا، وليست على توافق مع الإدارة الأمريكية اليوم”. بالمقابل، أكدت القناة العاشرة العبرية، أن “وزير الخارجية الأمريكي مايكل بيمبيو والمبعوث الأمريكي الخاص للشرق الأوسط جيسون جرانبلات، اعتبرا عدم تمرير القرار، بالأمم المتحدة عملا مخزيا”.

في المقابل، اعتبر رئيس الحكومة الإسرائيلية (بنيامين نتنياهو) أن عدد الدول التي صوتت ضد “حماس” في الأمم المتحدة (87 دولة) يعكس “نجاحاً مهماً جداً للولايات المتحدة وإسرائيل”، رغم أنه لم يجرِ تبني مشروع القرار الأمريكي. نعم، لا شك أن قرارات الأمم المتحدة المتعلقة بالقضية الفلسطينية تبدو في الأفق أثقل الأسلحة في يد الفلسطينيين اليوم، ذلك أنه مع اختلال ميزان القوى في العالم لم يعد هناك – في الوقت الراهن – نهج وحيد، أو نهج غالب، هو الكفاح المسلح. ومع ذلك، فإن انحياز المجتمع السياسي الفاعل في “إسرائيل” نحو اليمين المتطرف وأطروحاته ومقارفاته، يقتضي من المجتمع السياسي الفاعل في فلسطين والوطن العربي والإسلامي، بل والعالم، التنبه إلى أن ما تقوم به إسرائيل الراهنة يغلق المجال تماما أمام “التسوية السياسية التاريخية” ويفتح الباب على مصراعيه لصراع قومي تحرري متجدد، ولربما ديني أيضا، الأمر الذي يقتضي منا جميعا الإلتزام بالقاعدتين الذهبيتين: “وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة”، دون أن نتخلى عن الجناح المواكب للنضال: الكفاح السياسي/ الإعلامي/ الدبلوماسي/ والشعبي المقاوم.

Dr.asad

كاتب وباحث عربي، ومحلل سياسي مختص في القضايا الفلسطينية وشؤون الصراع العربي الإسرائيلي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى