لماذا وكيف تتميز الدولة التي أسسها الشيخ زايد؟
توحيد الوطن العربي فكرة قديمة تجلت مع بدايات انتشار الإسلام، لكنها انتكست لاحقا، ثم تجددت في أواخر العهد العثماني مع اشتداد موجة التتريك والبطش بالعرب ودعوة الجمعيات العربية للإنفصال عن الأتراك سعيا وراء وحدة عربية ما. وبعد انتكاسة ثانية، تجددت فكرة القومية العربية في أربعينيات القرن العشرين بإنشاء دولة عربية واحدة حلمت بضم كافة الأراضي من المحيط الأطلسي إلى الخليج العربي. ولطالما جاء، في أساس وجوهر الفكرة، أن الوحدة العربية تستهدف دمج بعض أو جميع الأقطار العربية في إطار سياسي واقتصادي واحد ينشئ دولة قوية اقتصاديا وبشريا وعسكريا.
ومن الحقائق المريرة، أنه منذ خمسينيات القرن المنصرم، أفشلت أسباب قاهرة عدة محاولات عربية للوحدة: الجمهورية العربية المتحدة (سورية ومصر 1958)، اتفاق الوحدة الثلاثية (مصر وسوريا والعراق 1963)، اتحاد الجمهوريات العربية (سوريا ومصر وليبيا 1971)، ميثاق العمل المشترك (سوريا والعراق 1978)… إلخ. غير أن تجربة وحدة الإمارات العربية برزت كحالة مميزة حين نجح الراحل الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان بتحويل الحلم إلى حقيقة وواقع، مستفيدا من توفر مقومات نجاح الوحدة: الجغرافيا والديموغرافيا والثقافة والعرق والدين والتاريخ والعادات والتقاليد. فلقد أسس الشيخ زايد، المؤمن بأن المستقبل لا مكان فيه للدول الصغيرة، دولة حديثة ذات سيادة يشار إليها بالبنان، وامتد حكمه لها (33 عاما) حافلة.
طوال عهده، استثمر الرئيس الشيخ زايد إمكانات الإمارات السياسية والاقتصادية والمالية بثبات، وفق منظومة ضوابط ومعايير حداثية حضارية، بحيث أستت لنموذج اقتصادي يستند إلى المعرفة والتكنولوجيا المتقدمة، مع ترسيخ نهج الانفتاح السياسي والاقتصادي والثقافي على العالم، وتدعيم علاقات الدولة السياسية المتوازنة إقليميا ودوليا. والحال كذلك، كانت المحصلة أن تطور الاقتصاد الوطني ووصل الى مستويات عالمية من خلال امتلاكه مقومات المنافسة لعديد الاقتصادات الدولية رافعا دخل الفرد الاماراتي ليستقر ضمن الأعلى في العالم، فأضحت “الإمارات” واحة للرخاء والتقدم، وبات اقتصادها الأكثر تنوعاً بين اقتصادات الدول العربية والإقليمية، ونجحت في بناء أفضل بنية تحتية في العالم العربي تستقطب ألمع الكفاءات العربية والعالمية. والحال كذلك، توفرت الشهادة التي شهد بها (المنتدى الاقتصادي العالمي – دافوس) في تقرير تنافسية العالمية 2018، حيث ركز على الثورة الصناعية الرابعة والابتكار ومفاهيم الاقتصاد المعرفي الجديد. يومها، أشارت الأرقام التي كشف “المنتدى” عنها إلى “تصدر دولة الإمارات المركز الأول عربياً والـ 27 عالمياً”، كما صنف التقرير “الإمارات ضمن أهم الاقتصادات العالمية وذلك بسبب التحسينات الاقتصادية المستمرة التي أطلقتها الحكومة”، والتي وضعت اقتصاد الإمارات على قائمة الأفضل في المنطقة العربية بحيث باتت ضمن نادي الأفضل 30 اقتصاد عالمي.
لقد فرضت “دولة الامارات العربية المتحدة” نفسها على الساحة الدولية بفضل خطط استراتيجية يعاد تقييمها وتطويرها باستمرار، ضمن مسيرة حافلة بالعمل والانجاز، تضافرت فيها الجهود لبناء دولة ناهضة باستمرار، في ظل عقود من الاستقرار السياسي الوحدوي والازدهار الاقتصادي حتى باتت أقرب إلى الدولة النموذج. بل إن “دولة الإمارات” ما زالت تواصل التفوق في العديد من المؤشرات العالمية المهمة بفضل السياسات الناجحة التي تهيء المجال لتوفير بيئة أعمال مبدعة ومستقرة وتنافسية، أسست لحالة مستدامة من النهضة والتقدم والازدهار في “الاتحاد”، شاملة كافة الإمارات المتعاقدة التي آمنت أنه في نجاح كل إمارة نجاح للدولة الإتحادية.
دولة الإمارات العربية المتحدة، الدولة النموذج التي أسسها الشيخ زايد وأدار شؤونها على مدى ثلث قرن، حرصت على تعزيز علاقات التعاون المشترك مع بلدان العالم في مختلف المجالات بل وتطويرها، وفق أسس راسخة من الاحترام المتبادل والثقة والمصالح المشتركة. فدولة الإمارات العربية التي رسخ الشيخ المؤسس بنيتها التحتية والفوقية، اكتسبت الأهمية الخاصة في منطقة الشرق الأوسط، ليس فقط لأنها تلعب دوراً في إرساء عوامل الأمن والاستقرار في المنطقة، وإنما أيضاً لما تمثله من نموذج سياسي/ تشاركي/ تنموي ناجح يحتذى به في المنطقة. ولعل استقرار وديمومة الوحدة هذه (دون غيرها من الوحدات العربية) تجعلها تجربة فريدة… وجديرة بأن تحتذى.