في هجاء اتفاقية أوسلو، إسرائيليا
مر 25 عاما منذ تلك اللحظة في البيت الأبيض التي أريد لها أن تكون تاريخية، حين صافح الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات رئيس وزراء الكيان الصهيوني في حينه (اسحاق رابين). لكن، منذئذ، سالت دماء فلسطينية غزيرة في عديد الحروب غير المتكافئة، والتهمت المستعمرات/ “المستوطنات” الإسرائيلية الأرض الفلسطينية، ويجري تهويد القدس على قدم وساق. وما كان يبدو بداية “سلام تاريخي” سرعان ما تحول إلى وهم. فيوم التوقيع على اتفاق أوسلو في 13 أيلول/ سبتمبر 1993، كان عدد المستعمرين/ “المستوطنين” لا يتجاوز (110) آلاف في الضفة الغربية، بحسب حركة “السلام الآن” التي ترصد حركة الاستعمار/ “الاستيطان”، وارتفع اليوم، في ظل حكومة تعتبر الأكثر يمينية على الإطلاق، ليصبح نحو (600) ألف مستعمر/ “مستوطن” وسط نحو 3 ملايين فلسطيني في الضفة، ومن ضمنها القدس الشرقية.
اليوم يطالب وزراء ومسؤولون إسرائيليون بإلغاء الاتفاق رسميا بعد أن تم إلغاؤه عمليا، مع البحث عن صيغة جديدة تثبت ما اعتبروه “الانتصار الإسرائيلي” في الصراع القائم مع الفلسطينيين. وقد زعم الوزير الليكودي السابق (غدعون ساعر) أن “أي اتفاق سياسي إسرائيلي مع الفلسطينيين قد يتحقق في المستقبل شرط أن يسبقه تسجيل انتصار إسرائيلي واضح ونهائي. ونجاح هذا النموذج من الانتصار يتأتى فقط بمغادرة حقبة أوسلو، وما تتضمنه من حيثيات ووقائع على الأرض”. وفي السياق، طالب بأن تتم “المسارعة لتكثيف البناء الاستيطاني بأضعاف مضاعفة، وتحديدا في القدس، التي تشكل تحديا لصناع القرار في إسرائيل لابد من التفوق فيه”. وأكد “هناك أهمية لفرض السيادة الإسرائيلية الكاملة على المناطق (ج) في الضفة الغربية، بحيث يكون هدفا يجب أن نسعى لفرضه وتحقيقه على الأرض، وصولا لفرض هذه السيادة على جميع التجمعات الاستيطانية في الضفة الغربية وغور الأردن”. ومن جهته، قال البروفيسور (دانيال بايبس) رئيس ومؤسس “منتدى الشرق الأوسط”: “هناك عدة فرضيات لانتصار إسرائيل، كفيلة بإنهاء الصراع”، مضيفا “شعار انتصار إسرائيل يحظى بأغلبية في الجمهور الإسرائيلي، وندعو من خلال علاقاتنا في الولايات المتحدة بمغادرة طريق المفاوضات الفاشلة والمحاولات العقيمة، والذهاب مباشرة لفرض الانتصار الإسرائيلي على الأرض”.
أما عضو الكنيست (أبراهام نيغوسه) فزعم أن “سبب فشل اتفاق أوسلو يعود لرفض السلطة الفلسطينية الاعتراف بإسرائيل كدولة يهودية، بجانب شيوع مفاهيم التحريض في مناهج التعليم ضدها، والعمليات المسلحة”. وأضاف: “جوهر الصراع وجذوره مع الفلسطينيين ليس بسبب الحدود الجغرافية أو الأراضي، وإنما بسبب الأيديولوجيا التي يتبناها الفلسطينيون”. غير أن الجنرال (يوسي كوبرفاسر) رئيس شعبة الأبحاث الأسبق في جهاز الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية “أمان” رغب في إرجاع فشل “أوسلو” إلى القيادة الإسرائيلية في سنوات التسعينيات، موضحا: “لقد فشل بسبب الثغرات التي تضمنها، والحماقات والأمنيات الساذجة التي رافقت تلك القيادة إبان توقيعه”، مضيفا بأن “قرار الكنيست باقتطاع الأموال المخصصة للأسرى والشهداء والجرحى الفلسطينيين يأتي لتصويب الوضع القائم. وفي مثل هذه الحالة يبدأ الانتصار الإسرائيلي. هنا تبدأ إسرائيل تغيير طريقة تفكيرها، وهو ما يجب أن نواصله حتى النهاية”.
نختم بخلاصة هي الأوضح كتبها أحد دعاة “الليكود” المتشددين المحامي (أهارون بابو) حيث كتب يقول: “لقد ضخت أوسلو إلى البلاد الآلاف من (مخربي) عرفات. خطأ بيرس ورابين الكارثي كان في أنهما قدما لمنظمة التحرير (الارهابية) قاعدة إقليمية في داخل (أرض إسرائيل)، وهكذا أدخلا الإرهاب ووفرا له شرعية دولة. خطأ آخر كان في أن الفرصة النادرة للصهيونية للسيطرة على البلاد كلها، من البحر حتى النهر، أحبطت عندما اصطدم الاستيطان في الضفة بمصاعب رهيبة. كما أثرت روح أوسلو على الجهاز القضائي في الدولة، النيابة العامة، الاستشارة القانونية والمحكمة العليا، إلى درجة أنه بدلا من القضاء التوراتي، “صهيون بالقضاء تُفدى”، بات من الجدير استبدالها بـ “صهيون بالقضاء تُستعبد”!!!