إسرائيل من “دولة مفروضة” إلى “دولة مرفوضة”؟

يقول المؤرخ الإسرائيلي (توم سيغيف) الذي وضع مؤخرا كتابا ضمنه سيرة حياة رئيس الوزراء المؤسس لإسرائيل بعنوان “ديفيد بن غوريون: دولة بأي كلفة”: “إذا نظرت إليها من الخارج، سترى واحدة من قصص النجاح الأكثر إثارة في القرن العشرين. مع إسرائيل قوية جداً وسكانها اليهود أكثر من أي وقت مضى، إنه حقاً تحقيق حلم بن غوريون. ولكن في الوقت نفسه، فإن المستقبل قاتم للغاية، وبعض المشاكل التي تركها لنا ظلت من دون حل”.

لقد كان تقسيم فلسطين وتأسيس ما يسمى “دولة اسرائيل” في أعقاب الحرب العالمية الثانية تتويجا لطموحات الحركة الصهيونية في تأسيس دولة تجمع “يهود الشتات”!!! في بلد واحد. وعندما أعلنت الدولة الصهيونية في 15 أيار من عام 1948، استغرق الأمر الرئيس الأمريكي (هاري ترومان) 11 دقيقة للاعتراف بها، فيما توالت اعترافات الدول الغربية بالكيان الوليد، فأضحت “دولة” مفروضة في القلب من منطقة الشرق الأوسط، لكنها رغم ذلك استمرت دولة غير مرحب بها من أي طرف من أطراف المنطقة طوال معظم سنوات ما مضى من عمرها! منذ ذلك الحين، وبفضل الدعم الغربي، وخاصة الأمريكي، اللامحدود، تطورت هذه “الدولة” تطورا كبيرا مستوعبة اليهود من اوروبا والشرق الأوسط وأمريكا الشمالية والاتحاد السوفييتي السابق…الخ، فتحولت من دولة زراعية تدار على النمط التعاوني الجماعي (الكيبوتس) الى اقتصاد يعتمد أساسا التقنيات المتقدمة.

رغم كل ما سبق، ظل الصراع مع الفلسطينيين يهيمن على الحياة السياسية في الدولة الصهيونية التي أسست لنظام عنصري/ إحلالي/ استعماري/ “استيطاني” غير مسبوق في العالم عبر قوانين فاشية تميز بين مواطن وآخر، لا فرق كبيراً بينها وبين مفهوم “نقاوة العرق” الذي تبنته النازية الألمانية والفاشية الإيطالية، وأدى إلى حرب عالمية خلفت إرثاً ثقيلاً يرتعد العالم من تكراره.

“إسرائيل”، الدولة المفروضة هذه، لم تصبح يوما دولة طبيعية في المنطقة. بل هي تحولت إلى دولة مرفوضة (على ما ذهب إليه الكاتب البارز عماد شقور في مقالة حديثه) وفي هذا الإطار يقول المحلل السياسي (ديمتري شومسكي): “لا بد من الاعتراف بأنه من دون مكون الاعتذار الإسرائيلي عن النكبة، لن يكون ممكناً تحقيق تقدم لا في مسألة حق العودة ولا في عملية السلام عموماً. وما دامت إسرائيل تواصل إنكار مسؤوليتها عن دمار المجتمع الفلسطيني في 1948، من خلال الترحيل والطرد القسري لمئات الآلاف وتفجير منازل ومحو قرى من على سطح الأرض انتهت مع عملية نهب رسمية للأملاك الفلسطينية في إطار قانون أملاك الغائبين، وما دامت إسرائيل تواصل الإنكار من الصعب أن نتخيل كيف يمكن التوصل إلى تسوية حقيقية مع الشعب الفلسطيني”.

اليوم، الدولة الصهيونية، وبعد “قانون القومية”، سائرة على درب التحول إلى كيان تمييز عنصري أبارتايدي يجلب عليها الإدانات والشجب وربما يعرض وجودها للخطر. وفي مواجهة هذا المأزق، ورغما عنها، ترفض الحكومة الإسرائيلية أي حل أو تسوية مع الفلسطينيين وتفضل الحفاظ على الوضع القائم مع محاولات قوى اليمين المتشدد تغيير الوضع الراهن إلى احتلال كامل للوطن الفلسطيني. والحال كذلك، فإن النظام القائم في الدولة الصهيونية تطور إلى شكل من أشكال الفاشية القائمة على التمييز العنصري والتطهير العرقي. ويزداد، ترسيخ هذه الصورة لإسرائيل الأمر الذي يجعلها، على نحو مضطرد، مرفوضة في أعين كثيرين متزايدين سواء في أوساط العالم الرسمي أو العالم الجماهيري.