الهجرة المعاكسة من إسرائيل وعوامل الطرد الديمغرافي

تشكل “الهجرة اليهودية المعاكسة” إشكالية وجودية طالما شغلت الأوساط الحكومية والأمنية الإسرائيلية، باعتبار إسرائيل “دولة هجرة واستيطان استعماريين” وبالتالي فإن استمرار تدفق العنصر البشري إليها ضرورة وجودية.

وفيما تواصل إسرائيل سياساتها الاستعمارية/ “الاستيطانية” بحق الشعب الفلسطيني، فإن نسبة غير قليلة من الشبان اليهود فقدوا الشعور بانتمائهم الى “وطنهم”، ما دفعهم الى توجيه الدفة نحو دول أخرى. وفي الذكرى السبعين للنكبة وقيام إسرائيل، كشفت تقارير رسمية أصدرتها “الدائرة المركزية الإسرائيلية للإحصاء” بشأن العام الماضي أن “عدد الإسرائيليين الذين غادروا يزيد عن عدد الذين عادوا إليها بـ 6300 شخص، وأن المهاجرين الجدد يميلون إلى مغادرتها بنسب أعلى من القدامى”، وأن “متوسط عمر الذين غادروا كان 28.5 عام، يشكل الذكور 53% منهم”. كما كشف التقرير أن “عدد الإسرائيليين الماكثين خارج البلاد في نهاية عام 2016 يقدر بنحو 560 – 596 ألفا لا يشمل الأطفال الذين ولدوا في الخارج”. كذلك، بينت “الدائرة” أنه “للمرة الأولى منذ العام 2009 تم تسجيل ما يطلق عليه “ميزان هجرة سلبي”، حيث أن عدد الذين تركوا البلاد كان أكثر من الذين هاجروا إليها”. وفي السياق، أظهر استطلاع حديث للرأي، نشر في حزيران الماضي، أن “ثلثي طلبة الجامعات الإسرائيلية يرغبون بالهجرة خارج فلسطين المحتلة”. ووفقًا للاستطلاع، الذي نشرته صحيفة “إسرائيل اليوم” والصادر عن “اتحاد الطلاب في إسرائيل”، فإن “35.5% من الطلاب المستطلعة آراؤهم أعربوا عن نيتهم بالهجرة إلى غياب إمكانية التطور مهنيًا، و31.5 % أرجعوا سبب رغبتهم بالهجرة إلى غلاء المعيشة، بينما أوضح 12.4 % أسباب الهجرة إلى العقلية الإسرائيلية”.

الهجرة اليهودية إلى فلسطين تعد، تاريخيا واستراتيجيا، حجر الزاوية في مخطط الحركة الصهيونية لتقوية “الدولة اليهودية” – هدف الصهيونية الأساسي، الذي ارتبط ارتباطا عضويا وثيقا بأهم عنصري الممارسة الصهيونية الكولونيالية في فلسطين: الهجرة والأرض. وبذلك، باتت “الهجرة المعاكسة” مسألة أمنية من الدرجة الأولى الأمر الذي جعل الحكومات الإسرائيلية تحرص، منذ إنشاء “الدولة” حتى اليوم، على التأكيد أن “الهجرة اليهودية إلى إسرائيل” مسألة مركزية ووجودية، وشددت على أن “قانون العودة” الصهيوني يشمل جميع يهود العالم، ويهدف إلى ضمان رفاه وأمن وبقاء “الأمة”. ولتبيان حقيقة المخاوف الإسرائيلية من “الهجرة المعاكسة”، أظهرت أرقام صادرة عن “مركز القدس للشؤون العامة”، وهو مركز إسرائيلي يعمل من أجل تحسين صورة إيجابية لإسرائيل ويدافع عن حقها في الوجود ومحاربة معاداة السامية، انخفاضاً يقدَّر بـ “10% في معدل السكان اليهود في القدس الشرقية الذين تراجع عددهم من النصف إلى نحو 40% من مجموع السكان”. وحذر “المركز”: “60% من سكان القدس يسكنون في الأراضي التي ضُمت إلى القدس في العام 1967. ويتوزع السكان على 60% من العرب و40% من اليهود… هذه المعطيات تكتسب دلالات سياسية خطيرة عندما يتم التفاوض على مستقبل المدينة، فاحتفاظ الفلسطينيين بأغلبية ديموغرافية مطلقة فيها يعزز من مطالبتهم بتدشين عاصمتهم فيها”. كما دعا المركز إلى تعزيز الأنشطة الاستعمارية/ “الاستيطانية” و”تدشين المزيد من الأحياء الخاصة باليهود، من أجل تعزيز ثقلهم الديموغرافي”.

عوامل الطرد الديمغرافي من إسرائيل أعلى من عوامل الجذب إليها: هواجس أمنية وانعدام الشعور بالأمن الشخصي، عوامل اقتصادية متمثلة في الضائقة المعيشية، خطاب قيادات يمينية يؤجج الخوف من “القنبلة النووية الإيرانية”، و”الإرهابيين” الموجودين في كل مكان.

Dr.asad

كاتب وباحث عربي، ومحلل سياسي مختص في القضايا الفلسطينية وشؤون الصراع العربي الإسرائيلي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى