إسرائيل: دولة في “القطاع” مقابل التهام “الضفة”؟
في الوقت الذي تعج فيه الصحافة العالمية بأخبار قطاع غزة وما ستؤول إليه التطورات والأحداث فيها، تعمل مصر والمبعوث الخاص لعملية السلام في الشرق الأوسط (نيكولاي ميلادينوف) – فيما يقال – على التوصل “لصفقة” لحل “الأزمة الإنسانية” في غزة وإنهاء الحصار عليها، مقابل “هدنة طويلة الأمد” بين حركة حماس وإسرائيل. ودون الإعلان عن تفاصيل “الصفقة”، تستعر الحرب الاستعمارية/ “الاستيطانية” الإسرائيلية الساعية إلى ضم الضفة الغربية. فاليمين الإسرائيلي، الذي فرض نفسه حاكما أوحدا في إسرائيل منذ ما يقارب السنوات العشر، يريد – في نهاية المطاف – كامل أرض الضفة الغربية ضمن “ترانسفير” واسع، الهدف منه وفق المعادلة الإسرائيلية القديمة/ الجديدة: “أرض (يهودية) أكثر” و”عرب أقل”!!!. ومن أجل السيطرة على الضفة، نرى اليمين الإسرائيلي مستعدا – فيما يقال – لتقديم “تنازلات” في القطاع، لأنه، بغض النظر عن إرادة الفصائل الفلسطينية وعلى رأسها فتح وحماس، تريد إسرائيل – عمليا – جعل قطاع غزة (التي لم يرغب به أحد غير فلسطيني سابقا!!!) الدولة الفلسطينية المستقبلية.
وإن كان مشكوك في مسألة نجاح “الترانسفير” في الضفة راهنا، فإن العمل يجري على قدم وساق للسيطرة على الأرض، عبر خطط لضم الضفة، وهي خطط طرحها اليمين الإسرائيلي المتطرف، منها ما عرضه وزير التعليم (نفتالي بينيت) عن ضم المناطق المصنفة “ج” في “الضفة” المحتلة، أي ما يشكل 60% من مساحتها، والتي يعيش فيها نحو 300 ألف فلسطيني، فيما يقطن “المستوطنات” في هذه المنطقة نحو 400 ألف مستعمر. ومنها دعوة عضو الكنيست عن حزب “الليكود” (يهودا غليك) لضم مناطق القدس المحتلة بما فيها “المستوطنات” الشرقية “معاليه أدوميم وغيرها”، وأيضا ضم ما نسبته 3% من أراضي الضفة بما يشمل الكتل “الاستيطانية” الكبيرة مثل “غوش عتصيون” وبعض “المستوطنات” المعزولة. وليس آخر الدعوات تلك التي قدمها عضو الكنيست (يوآف كيش) المطالبة بضم غالبية “المستوطنات” بالضفة بما فيها الكتل “الاستيطانية” و”المستوطنات” القريبة من بعضها بمسافة حتى كيلومتر واحد. وفي السياق، تظهر في الصورة مسألة هدم الخان الأحمر، البوابة الشرقية للقدس المحتلة، ومصادرة الاحتلال لأراضيه، تمهيدا للسيطرة على بقية التجمعات البدوية في بادية القدس، الأمر الذي يعني فصل شمال الضفة عن جنوبها، وإحكام السيطرة على القدس الشرقية.
تتكاثر التصريحات والكتابات الإسرائيلية عن تمسك رئيس الوزراء الإسرائيلي (بنيامين نتنياهو) باستمرار سلطة حماس في القطاع لأن أكثر ما يخشاه من عودة السلطة الفلسطينية إلى القطاع تعزيز قوتها سياسيا، واضطرار (نتنياهو) عندئذ إلى إجراء مفاوضات سياسية مع كيان فلسطيني واحد (الضفة والقطاع). وهذا، مثلا، ما جاء في مقال (حاييم رامون) الوزير وعضو الكنيست السابق: “فضل نتنياهو إثر انتخابه تكريس سلطة حماس والانقسام بينها وبين السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية. في الفترة الأخيرة، فضّل نتنياهو هذا الخيار عندما طالبت السلطة الفلسطينية بإعادة سيطرتها العسكرية والمدنية على القطاع”. ويضيف: “كثيرون من زعماء اليمين في إسرائيل يفضلون استمرار الانقسام القائم، ويزعمون أن قطاع غزة هو الدولة الفلسطينية، ولذا لا حاجة إلى إقامة دولة فلسطينية أُخرى”. كذلك، لا يمانع وزير “الدفاع” وزعيم حزب “إسرائيل بيتنا” المتطرف (أفيغدور ليبرمان) في تحويل غزة إلى “سنغافورة ثانية”، شريطة “ألا يفضي ذلك إلى وحدة الضفة والقطاع وتحولهما إلى “إقليم واحد” لدولة فلسطينية عتيدة”!
اليمين الإسرائيلي المتطرف لا يمانع بتاتا بقيام دولة في “القطاع” مقابل الحصول على “الضفة”. فالوزير الإسرائيلي لشؤون الاستخبارات وعضو المجلس الوزاري المصغر (يسرائيل كاتس) أبدى معارضة، شديدة ومعلّلة، لعودة السلطة الفلسطينية إلى القطاع لأن: “أي محاولة لإعادة محمود عباس إلى القطاع، وربطه بالضفة بواسطة الممر الآمن الذي يعبر دولة إسرائيل سيشكل تهديدا مباشرا، ويمس بشكل خطير بأمن الدولة والتوازن الديمغرافي بين إسرائيل والفلسطينيين”، مشددا على وجوب الاستمرار في سياسة “الفصل المدني بين غزة وإسرائيل، ورسم خط حدودي أمني واضح بينهما”. ومن اللافت، مقال أحد أبرز القادة الأمنيين والسياسيين الاستراتيجيين الإسرائيليين المؤثرين (غيورا أيلاند) الذي طالب (نتنياهو) بالعمل مع حماس باعتبار القطاع “دولة مستقلة بحكم الأمر الواقع منذ 12 عاما”، مشددا على أنه “بدلاً من التملص والتلعثم ومواصلة الثرثرة بأننا لن نتحدث مع منظمة إرهابية، من الأفضل الاعتراف بالواقع الذي يفيد بأن القطاع هو دولة وله حكومة مستقرة، انتخبت بشكل ديمقراطي كاف. ويجدر في هذا الشأن الانتباه إلى التناقض الدائم في موقفنا. فعندما أطلقت الجهاد الإسلامي الصواريخ على إسرائيل، سارعت محافل إسرائيلية إلى الادعاء “بأننا نرى في حماس مسؤولة عن الحفاظ على الهدوء”. فهل نحن مستعدون لأن نعترف بصلاحيات حماس في إدارة الشؤون العسكرية في القطاع، ولكننا غير مستعدين لأن نعترف بصلاحياتها بإدارة الشؤون المدنية؟ ما المنطق؟”.
ما تواجهه الضفة الغربية هو محاولة جادة لتخليد الاحتلال و”شرعنة” الاستعمار/ “الاستيطان”. واليمين الإسرائيلي المتطرف لا يخفي “أمانيه” بل يعمل على تحقيقها: دولة في قطاع غزة والتهام الضفة الغربية!