احتجاجات الدروز ضد “قانون القومية”… المضمون؟ وإلى أين؟

يعلم الجميع أن الدروز عاشوا في فلسطين كجزء لا يتجزأ من الشعب العربي الفلسطيني. ومع عام 1948، عندما نشأت “دولة إسرائيل” سعت حكوماتها إلى عزل أبناء الطائفة عن إطارهم العربي، بالضرب على وتر أن الدرزية قومية بحد ذاتها. ولتقريبهم منها أكثر استغلت إسرائيل رواية تزويج النبي شعيب ابنته لسيدنا موسى، لتدلل للدروز على أن ثمة علاقة مصاهرة تاريخية تربطهم باليهود تضاهي علاقتهم بالعرب. وفي العام 1956، أصدر أول رئيس وزراء لإسرائيل (دافيد بن غوريون) قراراً يلزم بموجبه الدروز بالخدمة الإجبارية في جيش الاحتلال واجه في حينه مقاومة شديدة من قبل أبناء الطائفة. وعلى الرغم من تحقيق إسرائيل نجاحاً في فرض التجنيد، إلا أنها ما زالت حتى الآن تواجه مؤسسات تمثل أبناء الطائفة الدرزية تطالب بإلغاء قانون التجنيد الإجباري. وفي العام 1959 فصلت السلطات الإسرائيلية المحاكم الدرزية عن المحاكم الشرعية الإسلامية بغرض تعزيز عملية فصلهم عن وسطهم العربي الطبيعي، وإمعانا في تكريس الفصل خصصت لهم سلطات محلية ومدارس ومناهج خاصة لخلق شعور لدى الطالب الدرزي يقضي بانتمائه إلى طائفة مستقلة عن العرب والفلسطينيين.

كل ما سبق، لم يحم الدروز من سياسة التمييز العنصري الإسرائيلية، ولم يحفظ أراضيهم من المصادرة لإقامة التجمعات الاستعمارية/ “الاستيطانية”. اليوم، كان من الطبيعي أن يغضب “قانون القومية” الطائفة الدرزية، وهو القانون الذي “ينفي وجود من هو غير يهودي في إسرائيل”، حيث أدرك الدروز أن المسألة ليست مسألة طائفة أو ديانة، وإنما في السياسة الإسرائيلية للتهويد، والقانون بذلك ليس موجها ضد الدروز أو أي أقلية أخرى فحسب، بل لكل من هو غير يهودي، وعليه يصبح الدروز كغيرهم ضحية لهذه السياسة. من هنا كانت الحملة الاحتجاجية الدرزية القوية المتمثلة في مظاهرات واحتجاجات ما زالت متواصلة وتصريحات تهاجم القانون مع تقديم بعض ضباط جيش الاحتلال من الدروز استقالاتهم، فيما تعالت مجددا الأصوات الكثيرة الرافضة للتجنيد، حيث عقدت عدة أطر وطنية في الطائفة الدرزية المناهضة للخدمة العسكرية، اجتماعا لها، أكدت فيه على “أنها جزء لا يتجزأ من الشعب الفلسطيني، والتزامها بكل قرارات لجنة المتابعة العليا لقضايا فلسطينيي 48، وأنها ترفض القانون كليا، وليس تعديله فقط”. وهذا الأمر ركزت عليه الصحافة الإسرائيلية حين نقلت تفاصيل فشل اجتماع (بنيامين نتنياهو) مع قادة الدروز، لحظة انتقاد العميد احتياط (أمل أسعد) القانون، ووصفه إسرائيل بأنها دولة تفرقة عنصرية قائلا: “إسرائيل دولة أبارتايد”. في السياق، أكدت افتتاحية “هآرتس” ما سبق، مهاجمة (نتنياهو) نفسه: “يرى رئيس الحكومة إسرائيل قبل كل شيء كدولة يهودية؛ الديمقراطية أقل أهمية في نظره. مهمة حياته كانت وما تزال الاعتراف الدولي بإسرائيل “دولة الشعب اليهودي”، ودولته هو فقط. قانون القومية هو الخطوة الأكثر تصميماً من أجل إرساء هذا الموقف في دستور إسرائيل الآخذ في النشوء. إن التصويت على القانون رسم خط الشرخ السياسي الجديد في إسرائيل: معسكر التمييز في مقابل معسكر المساواة، مؤيدو الأبارتايد في مقابل مؤيدي الديمقراطية”.

لكن، ما الجديد في قانون القومية؟ فمنذ عام 1948، استندت سياسة التمييز ضد الفلسطينيين إلى مبادئ تقوم على فوقية اليهود، وتدعم التهويد وتقليل النسبة الديموغرافية للفلسطينيين، بما في ذلك إنكار حق اللاجئين الفلسطينيين بالعودة. المسألة الأخطر أن هناك فرقا بين ممارسات عرقية وعنصرية، وقانون يلزم التعامل بعنصرية. فمع وجود القانون ستكتسب الممارسة العنصرية دعمًا دستوريًا ملزما بموجب القانون بالتمييز ضد العرب. وبذلك، يحول القانون التمييز اليومي وغير المقونن إلى مبدأ دستوري ومنهجي ومؤسساتي كأحد أركان النظام القانوني الإسرائيلي، فيتم تحويل الممارسات العنصرية إلى مبدأ سيادة القانون. وبذلك، فإن “قانون القومية”، الذي أصبح الدروز وغيرهم من العرب ضحايا له، هو قانون استعماري له خصائص “أبارتايد”، يحدد الأمور على أساس عرقي عنصري: فالمساواة تنطبق على جميع اليهود كونهم يهودا، أما من هو غير يهودي فهو مستثنى ويصبح التمييز ضده مبررًا وشرعيًا بغض النظر عن انتمائه الجغرافي، وبذلك حول القانون الجنود الدروز إلى مجرد مرتزقة.

يبقى السؤال المشروع: ما مصير الحملة الاحتجاجية الدرزية؟ فهي إن فشلت في مساعيها لإلغاء القانون فهو خير وبركة وسيبعد ذاك الشطر من الطائفة الدرزية الذي يربط مصيره بالكيان الصهيوني وعليه يعود كثير من أبناء الطائفة الدرزية إلى مكانهم الطبيعي كطائفة نوعية من بين الطوائف الإسلامية والمسيحية العربية، بل ربما يمكن أن يكون بداية عملية أكثر شمولية، يكون فيها الدروز هم رأس الحربة في النضال من أجل مساواة كل الطوائف المسلمة والمسيحية في فلسطين 48. أما إن نجحت الحملة في ضغوطها ضد الحكومة الإسرائيلية ربما يصبح هناك شبه مساواة مع اليهود، وهذا يبعد الطائفة عن باقي الشرائح العربية الأخرى وعندئذ يتحقق الهدف الصهيوني القديم/ الجديد بإبعادهم عن إخوانهم وأشقائهم باقي العرب والمسلمين. ويبقى مصير هذه الحملة برسم المستقبل.