بعد 70 خريفا، الدولة الصهيونية… أي مستقبل؟

بدأت الدولة الصهيونية عام 2018 تتصرف على قاعدة الزهو بكونها على وشك تحقيق “النصر النهائي” في الحرب الدائرة منذ قرن أو يزيد. وما كان لهذا الزهو، بل الغرور، أن يسود لولا الإدارة الأمريكية برئاسة (دونالد ترامب) التي تنافس في يمينيتها حكومة رئيس الوزراء الإسرائيلي (بنيامين نتنياهو) حيث تستغل هذه الأخيرة كل الهدايا الكبرى المقدمة من واشنطن الأمر الذي جعل الوقاحة الإسرائيلية هي العنوان الأبرز في التعامل مع جل القضايا ليس مع الفلسطينيين فحسب، ولا مع العرب فقط، بل ومع دول لها وزنها في العالم!. وقد أفاد تقرير صادر عن حركة “السلام الآن” بارتفاع ملحوظ في حركة الاستعمار/ “الاستيطان” بالأراضي الفلسطينية المحتلة منذ تولى (ترامب) الحكم. بالمقابل، عُقد في تل أبيب، وبرعاية حكومية، اجتماع تأسيسي لإقامة منظمة إسرائيلية جديدة باسم “الائتلاف من أجل الجولان”، تهدف إلى الدفع قدماً لنيل الاعتراف العالمي بالسيادة الإسرائيلية على هضبة الجولان السورية المحتلة. وقال المبادر إلى الاجتماع (تسفي هاوزر) سكرتير الحكومة الإسرائيلية بين السنوات 2009-2013، والمقرب من (نتنياهو): “الوقت الحالي يُعتبر الأنسب للعمل مع إدارة الرئيس ترامب، صديقة إسرائيل، لإلغاء إمكان مطالبتنا بالانسحاب من هضبة الجولان. ومع حسم الحرب الأهلية في سورية، ستسعى الدول العظمى للتوصل إلى تسويات، وهناك خوف من أن يُطلب من إسرائيل أن تساهم في تحقيق هذا الهدف عن طريق الانسحاب من هضبة الجولان”.

ورغم تضاعف جهود “نزع الشرعية” عن “إسرائيل”، ونشاط الحركة العالمية لمقاطعة “إسرائيل” (BDS)، وتحذير بعض المسؤولين الإسرائيليين من أن يكون عام 2018، عام بدء تحقيق محكمة الجنايات الدولية – لاهاي، فيما يخص الشكاوى المقدمة منذ ثلاث سنوات حول الحرب على قطاع غزة، والبناء المتواصل في المستعمرات/ “المستوطنات” (وذلك بحسب تحذيرات الصحافة الإسرائيلية وما رشح عن اجتماع مجلس الأمن القومي الإسرائيلي مع أعضاء لجنة الخارجية والأمن في الكنيست) فإن ممارسات الدولة الصهيونية اليمينية العارية بقبحها لم تعد خافية على أحد حيث تتابع “إسرائيل” مقارفاتها، واثقة من إفشال فتح تحقيق ضد مسؤولين عسكريين وسياسيين إسرائيليين أو إصدار أوامر اعتقال واستدعاء من أجل التحقيق.

في المقابل، يقول الكاتب اليساري (كوبي نيف): “بعد سبعين سنة من عمر الدولة، في العلاقة بين الاشكناز والشرقيين، في الوقت الذي نشاهد فيه أننا جميعا أخوة، يهود بالدم والسلاح، فأي أمل يمكن أن يكون لنا ذات يوم بمستقبل ما منظور في أن نصل إلى حوار حقيقي، وليس التحدث عن السلام والمساواة، مع إخواننا وأبناء بلادنا الفلسطينيين؟ حيث أنه بدون قبولهم، سنعيش هنا إلى الأبد على حد السيوف، حتى لو أصبحت سيوفاً نووية مع بريق متألق، حتى نصبح ضحايا ويحل علينا الخراب”. وفي السياق، يقول الكاتب التقدمي الجريء (جدعون ليفي): “الوقاحة الإسرائيلية ربما لم تصل إلى نهايتها. ربما يأتي الخير من الشر وتدرك إسرائيل حقيقة أنها لا تستطيع السيطرة، وحتى لا تستطيع أن تعيش إلى الأبد فقط على حد السيف، ولا على طائراتها المتقدمة. لقد تم اعتراض العقيدة، التي تقول إن كل شيء يمكن أن يحل بالقوة، يجب الحل من خلال القوة، قبل كل شيء بالقوة، دائما بالقوة وفقط بالقوة”. ويختم: “الوقاحة تجبي ثمنا”!

غير أن ما يلفت النظر أكثر كون الدولة الصهيونية التي تتمتع اليوم بهامش حركة واسع غير متوفر لأية دولة أخرى في العالم فترتكب ما تشاء من الجرائم دون حساب أو عقاب أو حتى نظرة للمستقبل المجهول، قد أثارت مخاوف رؤساء سابقين لجهاز “الموساد” حيال مستقبل الدولة الصهيونية، وكذلك الخوف الشديد من الاتجاه الذي تتجه إليه الدولة الصهيونية في بداية العقد الثامن من وجودها. فمع عشية “الاستقلال (النكبة) الـ70″، جمعت صحيفة “يديعوت أحرونوت” ستة رؤساء سابقين “للموساد” تحدثوا عن الركود السياسي والخوف من الخلافات والانقسامات الاجتماعية والقلق على مستقبل الدولة، وأيضا القلق من القيادة الإسرائيلية، حيث أجمعوا على أن “شيئا سيئا للغاية حدث”. وقد شارك بالمقابلة المطولة رؤساء سابقون للموساد وهم (تسفي زمير)، (ناحوم أدموني)، (شابتاي شافيت)، (داني ياتوم)، (إفريام هليفي)، و(تامير باردو). وعن الاستخلاصات، يقول (باردو): “المشكلة تتعلق بقيم الخلافات، نحن بحاجة إلى قيادة قادرة على التنقل بين الأزمات والأماكن الصحيحة، وللأسف، فهي غير موجودة اليوم”. أما (زامير) فيقول: “حيث تسود المصالح العامة على المصالح الشخصية لمزيد من القوة والمزيد من الأموال، أشعر بالقلق بشأن المستقبل. البلد مريض، نحن في حالة طبية يرثى لها، قد يكون نتنياهو قد تسلم البلد وهي تعاني من أعراض مرضية، لكنه أوصلها إلى الحالة الخطيرة لمرض خبيث”. ومن جانبه، يقول (هاليفي): “لا شك أن نتنياهو ذكي جدا، لكن ارتباطه بين الحاجة إلى العناوين الرئيسية وانشغاله بصورته العامة وإدارة شؤون الدولة والأمن هو إشكالي”. ويقول (ياتوم): “نحن على منحدر شديد الانحدار. هناك رمال سيئة للغاية هنا”. أما (أدموني) الذي يسيطر عليه القلق جدا من الانقسامات في المجتمع الإسرائيلي، فيقول “الانقسامات أقوى الآن من أي وقت آخر، الشرخ بين المتدينين والعلمانيين والشرقيين والإشكناز، والمتواصل لعدة سنوات وحتى الآن، لم يتم إغلاق وتقليصه فحسب، بل إنه ينمو ويتسع يوميا”. ويختم (شافيت): “كأفراد في أجهزة الاستخبارات، فإن أهم قدراتنا هي توقع وتنبؤ المستقبل، لذا أسأل نفسي أي بلد أتركه لأحفادي؟، لا أستطيع إعطاء إجابة”!!!.