توزع المواقف الإسرائيلية بخصوص مواجهات غزة

ما أشبه اليوم بالبارحة، عندما زحف في 15 أيار/ مايو 2011 (الذكرى الثالثة والستين للنكبة) آلاف اللاجئين الفلسطينيين من الأردن وسوريا ومصر ولبنان، تحت شعار واحد رفعه الجميع “الشعب يريد العودة إلى فلسطين”. اليوم، تتواصل الفكرة ذاتها حيث بدأ الفلسطينيون، من يوم الأرض وصولا إلى ذكرى النكبة السبعين، مسيرات العودة من سجنهم الكبير في قطاع غزة تحت شعار “التمسك بحق عودة اللاجئين الفلسطينيين”، مؤكدين أنهم شعب لا ينسى وما زال وسيبقى متمسكا بأرضه.

في إسرائيل، انقسمت المواقف جراء مواجهات “يوم الأرض” إلى أربعة تيارات نعرضها بإيجاز، وفقط بأبرز الاقتباسات. متصدر الموقف الأول اليمين الإسرائيلي (ممثلا في أقطاب حكومة الائتلاف المتطرفة) والتي بدت تقريبا موحدة في دعم الجيش، عبر عنهم وزير “الدفاع” (أفيغدور ليبرمان) الذي هدد “الفلسطينيين بتصعيد حدة قمع الجيش العنيف، لمسيراتهم الحدودية في غزة: في المرة المقبلة سنرد بشكل أكثر حدة، وسنستخدم كل ما هو متاح لنا”، رافضا التحقيق في المجزرة. كما جاء موقف وزير الأمن الداخلي (غلعاد إردان) الذي قال: “مصلحة إسرائيل هي التوحد ضد التنظيمات الفلسطينية، ودعم الجيش الإسرائيلي وليس التشكيك بجنودنا”. كذلك، كان واضحا موقف رئيس هيئة أركان جيش الاحتلال (غابي ايزنكوت) الذي أشرف بنفسه على قمع مسيرة العودة، مواصلا تحريضه على المقاومة الفلسطينية ومحملا حركة حماس مسؤولية ما يحدث وتداعيات المواجهات. وقد لوحظ تركيز الخط السياسي/ الإعلامي الرسمي الإسرائيلي على حركة حماس (“الإرهابية”) باعتبارها محركة تلك “المسيرة” وحدها!

الموقف الثاني، وخلافا للحلبة السياسية الإسرائيلية، عبر عنه الرافضون للحل العسكري. فالرئيسة الجديدة لحزب “ميرتس” اليساري (تمار زاندبيرغ)، التي طالبت بفتح تحقيق في الأحداث، اعتبرت: “سياسة الضغط السهل على الزناد تؤدي إلى إزهاق أرواح الأبرياء، واشعال المنطقة برمتها”. كما وصل الأمر أن كتابا إسرائيليين هاجموا بحدة جيش “الدفاع” وهو الأمر غير المألوف إسرائيليا، واعتبروا أن القوة المفرطة ستؤدي إلى حريق شامل ستكون فيه إسرائيل متهمة بأبشع التهم. وفي السياق، يقول (ناحوم بارنيع): “من يعتقد أنه يمكن تصفية المشكلة بوسائل عسكرية، يكذب على نفسه وعلى ناخبيه. غزة محيدة في الجو، في البحر، في الأرض ومن تحت الأرض. لم يتبق للغزيين سوى أن يشعروا بأنهم شعب وأن يبدأوا بالسير”. من جهته، يقول المحلل اليساري (جدعون ليفي): “جيش الذبح الإسرائيلي… يوم جمعة عيد الفصح للمسيحيين وليلة عيد الفصح لليهود كان اليوم النازف للفلسطينيين في غزة، حتى جريمة حرب لا يمكن أن نسمي بها ما حدث لأنه لم يكن هناك حرب. لا يوجد في إسرائيل شيء أرخص من دم الفلسطينيين”. أما (حجاي إلعاد) مدير عام منظمة “بيتسيلم” (مركز المعلومات الإسرائيلي لحقوق الإنسان في الأراضي المحتلة) فكتب يقول: “في القتل على سياج سجن غزة تبالغ القيادة الإسرائيلية بشكل تدريجي في واحدة من حقائق الموت والحياة. السيطرة على شعب آخر تستوجب، من وقت لآخر، أيامًا من القتل والمجازر. ما زال هناك أياما دموية أخرى في الطريق”!

الموقف الثالث، كان موقف المحذرين من أن تعيد الأحداث مأساة قطاع غزة إلى الأجندة الدولية مع التشديد على ضرورة الحل السياسي. وفي هذا كتب المحلل العسكري في صحيفة “يديعوت أحرونوت” (أليكس فيشمان) يقول: “الإنجاز الأهم هو رد الفعل في الحلبة الدولية وعودة الأزمة في غزة إلى الوعي (الدولي). وبدء المظاهرات في يوم الأرض هي محاولة لربط فلسطينيي 48 بصورة الهبة: كلنا معا، لاجئو 48 و67”. من جهته، اعتبر المحلل العسكري في القناة العاشرة للتلفزيون الإسرائيلي (ألون بن دافيد) أن “حماس نجحت في طرح غزة على الأجندة الدولية. وعبرة حماس هي مواصلة دفع هذا الحدث، وبذلك فإن الجزء الأصعب ما زال أمامنا”. من جهته، قال المحلل السياسي في القناة الثانية (أودي سيغال): “سكان غزة يتحدون… قدر القطاع يغلي، بل يعتمل، وأجزاء منه بدأت تتسرب الينا. الاحساس بأن الفلسطينيين هم مشكلة هامشية، طفيفة، غير مثيرة للاهتمام وزائدة هو إحساس عابث، مشكلة إسرائيلية داخلية لن تتبخر ولن تختفي. كل الخطوات السياسية التي كان يفترض أن تحصل بعد فك الارتباط عن غزة قبل قرابة 13 سنة لم تنفذ، ونحن ننظر الى النتائج”.

الموقف الرابع، عبر عنه إسرائيليون داعمون لخيار “المقاومة الشعبية السلمية” فلسطينيا. في السياق، جاء مقال ملفت لجندي إسرائيلي سابق يدعى (برادلي بيرستون) نشرته صحيفة “هآرتس” قال فيها: “سلاح جديد ضد الاحتلال يملكه اللاجئون الفلسطينيون. وتبدو إسرائيل، بكل طبقات دفاعها ضد كل نوع من الفتك ابتكره الإنسان، غير مستعدة لمواجهته. هو سلاح يشعر أمامه -حتى واحد من أعتى جيوش العالم وأكثرها قوة وتقدماً- بالارتباك. إنه يستطيع أن ينجح حيث فشلت التفجيرات والصواريخ البالستية وأنفاقُ الهجوم. إنه، اللاعُنف”. في السياق، كتبت (كارولينا ليندسمان) تقول: “على خلفية فشل الكفاح المسلح والمصاعب في المسار الدبلوماسي، فان مسيرة العودة هي خطوة كبرى في الكفاح الفلسطيني. كل من يخاف على مستقبل الدولة ومصير (الشعبين) ملزم بأن يفرح بها. ليس لدى الجيش الاسرائيلي الأدوات للوقوف في وجه مقاومة مدنية شعبية غير مسلحة. كلما نجح الفلسطينيون في التمسك بالكفاح غير العنيف بروح المهاتما غاندي ونلسون مانديلا ومارتن لوثر كينغ، سينكشف ميزان القوى الحقيقي بين الاسرائيليين والفلسطينيين وينكشف أيضا عجز السلاح، مهما كان متطورا. في الكفاح غير المسلح التفوق العسكري لاسرائيل سيكون في طالحها، إذ ان ليس القوي بل المحق هو الذي ينتصر”.

أخيرا، ها قد نجح شعار “فلسطين تجمعنا”، وفهم العدو الإسرائيلي إن كل محاولات شطب حق العودة باءت بالفشل، بعد أن ترأس الشعب الفلسطيني ومعه الحركة الوطنية والفصائل خطا جديدا: “اللاعنف”/ المقاومة الشعبية السلمية”.

Dr.asad

كاتب وباحث عربي، ومحلل سياسي مختص في القضايا الفلسطينية وشؤون الصراع العربي الإسرائيلي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى