ما عجزت عنه السياسة: هل يطيح الفساد بـ (نتنياهو)؟
فيما يهيم معظم العالم العربي على محيط من الفساد بلا حسيب ولا رقيب، تظهر الصورة بشكل مغاير في إسرائيل، حيث تتصاعد التحقيقات بخصوص روائح فساد تطال رئيس الحكومة الإسرائيلية (بنيامين نتنياهو) وأشخاص مقربين جدا منه. ورغم مساعي (نتنياهو) لفت الأنظار عن التحقيقات، فإن تكتيكاته وتصعيداته بخصوص “هبة الأقصى” وتجاه قطاع غزة (والتي سخر منها بل أدانها عدد من السياسيين والباحثين والإعلاميين الإسرائيليين) فإن تلك التكتيكات والتصعيدات لم تنجح في تجاوز تلك الروائح والتحقيقات التي لا زالت تتكشف تباعا في أعلى الهرم السياسي والأمني الإسرائيلي، وظلت تحتل عناوين رئيسية في الإعلام الإسرائيلي. بهذا الشأن، عبر (ايهود باراك) رئيس الوزراء الأسبق، حيث قال: “نتنياهو مستعد أن يشعل الأوضاع في المنطقة من أجل أن يتهرب من التحقيقات الجارية معه حول قضايا فساد. أحداث القدس لمحة بسيطة من سلوك نتنياهو نحو الهاوية”. من جهته كتب المعلق السياسي في “هآرتس” (ألوف بن): “الموسم الحالي لنتنياهو يبدو عاصفا أكثر مما سبق، إنه يسعى لتدمير ثقة الجمهور بمؤسسات الدولة: الجيش والشرطة والنيابة والمحاكم والإعلام والأكاديميا، وذلك بهدف التهرب من لوائح الاتهام ضده، وضد زوجته، والتي تقوم أساسا على البخل المرضي والغيرة من الأغنياء والتوق لنيل الإعجاب”.
وفي ملخص هو الأحدث لقضايا الفساد، نشير إلى أن الشرطة الإسرائيلية اعتقلت اللواء (إليعيزر ماروم) القائد السابق لسلاح البحرية الإسرائيلي، وستة آخرين بينهم مسؤولون حكوميون كبار سابقون يدورون في فلك (نتنياهو)، بشبهة التورط في قضية صفقة شراء غواصات من ألمانيا أو “القضية 3000″، فضلا عن تحقيقين تجريهما الشرطة الإسرائيلية لهما علاقة برئيس الحكومة (نتنياهو): أولها، التحقيق الذي يعرف باسم “القضية 1000” ويتعلق بتلقي (نتنياهو) وزوجته (سارة) هدايا فاخرة، بخلاف القانون، من طرف رجال أعمال. وثانيها، “القضية 2000″، فيدور حول شبهات بقيام (نتنياهو) بتقديم عرض إلى مالك وناشر صحيفة “يديعوت أحرونوت” (أرنون موزيس) لمساعدته في تقليص عدد قراء صحيفة “إسرائيل اليوم” المنافسة لـ”يديعوت أحرونوت” مقابل الحصول على تغطية ودية. وفي هاتين القضيتين، تزايدت الضغوط على (نتنياهو) بعد أن تحول رئيس موظفي مكتب رئيس الحكومة سابقا (آري هارو) إلى “شاهد إثبات”/ “شاهد ملك” فيهما، متعهدا بمواجهة (نتنياهو) إذا اقتضت الحاجة. في السياق، يعتزم المستشار القضائي للحكومة (أفيحاي مندلبليت) تقديم لائحة اتهام ضد (سارة نتنياهو)، في أربعة ملفات فساد، تتعلق بالاحتيال وإساءة الائتمان، فيما أمرت المحكمة الإسرائيلية العليا (نتنياهو) بالكشف عن المعلومات المتعلقة بمواعيد المكالمات الهاتفية التي جرت بينه وبين كل من مالك “إسرائيل اليوم” (شِلدون إدلسون) ورئيس تحريرها السابق (عاموس ريغف).
وعودة منا إلى “قضية الغواصات”، اعترف وسيط الشركة الألمانية “تيسنكروب” (ميكي غانور) بمعلومات عن صفقات سلاح أخرى صودق عليها خلال السنوات المنصرمة، تم فيها دفع رشاوى لمسؤولين كبار في الحكومة الإسرائيلية، الأمر الذي من شأنه أن يوسع دائرة التحقيقات في القضية. وفي هذا السياق، أكدت صحيفة “هآرتس”: “من المتوقع استدعاء ضباط أنهوا خدمتهم في المنظومة الأمنية أو شغلوا مناصب رفيعة سابقاً، للتحقيق”. ومن جانبه، قال رئيس حزب “يوجد مستقبل” (يائير لبيد): “قضية الغواصات أكبر قضية فساد في تاريخ الدولة… ما لم يتم إنكاره في هذه القضية هو أن الأموال من وزارة الدفاع الإسرائيلية خرجت إلى حساب مصرفي في ألمانيا، وانتقلت من هناك إلى حساب مصرفي سري في ألمانيا، ثم عادت إلى الجيب الخاص لمحامي رئيس الحكومة (ديفيد شيمرون) وهو صديق نتنياهو المفضل وابن عمه، وكل ذلك من دون علم وزير الدفاع والمؤسسة الأمنية”.
وفي نطاق التأثير الإعلامي/ السياسي السلبي لهذه التحقيقات على سمعة (نتنياهو)، أظهر استطلاع للرأي أجرته القناة العاشرة الإسرائيلية قبل أيام قليلة، أن “51% لا يصدقون رواية نتنياهو حول التحقيقات التي تجري معه بشبهة ارتكابه مخالفات جنائية في أكثر من قضية، وأن 66% منهم يرون أن عليه الاستقالة في حال تم تقديم لائحة اتهام ضده”. وقبل تسعة أيام فقط، تظاهر (1500) إسرائيلي أمام منزل المستشار القضائي الاسرائيلي (مندلبليت) احتجاجا على بطء اجراءات التحقيق مع (نتنياهو) وسط دعوات لضرورة تسريع الاجراءات واخضاع رئيس الوزراء للاستجواب لمعرفة نتائج التحقيقات بشأن الفساد. بل إنه، على خلفية قضايا الفساد التي يواجهها (نتنياهو)، ترجح أوساط إعلامية تبكير موعد الانتخابات العامة في اسرائيل المزمع عقدها في 2018. ويعتقد كبير المعلقين للشؤون الحزبية في إسرائيل (يوسي فرطر): “أن يكون 2017 عام تحول قد يؤدي إلى انهيار نتنياهو”. من جانبها، قالت صحيفة “جيروزاليم بوست” أن (نتنياهو) “يقف أمام ثلاثة سيناريوهات مختلفة مع ازدياد احتمال إدانته: يملك خيار عدم الاستقالة حاليًا، وهو ما يفضله وما سيفعله، أو تنحيته من قبل الوزراء والذهاب لانتخابات مبكرة، أما الثالث فهو انتظار قرار النائب العام، أي الذي من الممكن أن يمتد حتى عام 2018”. واعتبرت الصحيفة أن “السيناريو الثالث هو الأكثر واقعية، والذي بموجبه يستغرق النائب العام ثلاثة حتى ستة أشهر لتقديم توصية بتقديم لائحة اتهام ضد نتنياهو، وهو ما يبقيه في الحكم حتى ربيع 2018”.